الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }

{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } فإن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين أي فالأنسب أن يكون نفي الريب عما أنكروه وهو كونه من رب العالمين جل شأنه، وقيل: أي فلا بد من أن يكون مورده حكماً مقصوداً بالإفادة لا قيداً للحكم بنفي الريب عنه، وفيه بحث، وكذا قوله سبحانه: { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } فإنه تقرير لما قبله فيكون مثله في الشهادة ثم قال في نظم الكلام على ذلك: إنه أسلوب صحيح محكم أثبت سبحانه أولاً أن تنزيله من رب العالمين وأن ذلك مما لا ريب فيه أي لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله تعالى وهو أبعد شيء منه لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك أصلاً عنه وهو كونه معجزاً للبشر، ثم أضرب جل وعلا عن ذلك إلى قوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } لأن { أَمْ } هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة إنكاراً لقولهم وتعجيباً منه لظهور عجز بلغائهم عن مثل أقصر سورة منه فهو إما قول متعنت مكابر أو جاهل عميت منه النواظر، ثم أضرب سبحانه عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك.

وفي «الكشف» أن الزمخشري بين وجاهة كون { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } مبتدأ و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } اعتراضاً و { مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خبراً بحسن موقع الاعتراض إذ ذاك ثم حسن الإنكار على الزاعم أنه مفترى مع وجود نافي الريب ومميطه ثم إثبات ما هو المقصود وعدم الالتفات إلى شغب هؤلاء المكابرة بعد التلخيص البليغ بقوله تعالى: { بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ } وما في إيثار لفظ { ٱلْحَقّ } وتعريفه تعريف الجنس من الحسن؛ ويقرب عندي من هذا الوجه جعل { تَنزِيلَ } مبتدأ وجملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } في موضع الحال من { ٱلْكِتَـٰبِ } و { مَن رَّبُّ } خبراً فتدبر ولا تغفل، وزعم أبو عبيدة أن { أَمْ } بمعنى بل الانتقالية وقال: إن هذا خروج من حديث إلى حديث وليس بشيء. والظاهر أن { مِن رَبّكَ } في موضع الحال أي كائناً من ربك، وقيل: يجوز جعله خبراً ثانياً وإضافة الرب إلى العالمين أولاً ثم إلى ضمير سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ثانياً بعدما فيه من حسن التخلص إلى إثبات النبوة وتعظيم شأنه علا شأنه فيه أنه عليه الصلاة والسلام العبد الجامع الذي جمع فيه ما فرق في العالم بالأسر، ووروده على أسلوب الترقي دل على أن جمعيته صلى الله عليه وسلم أتم مما لكل العالم وحق له ذلك صلوات الله تعالى وسلامه عليه.

{ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَـٰهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } بيان للمقصود من تنزيله فقيل هو متعلق بتنزيل، وقيل: بمحذوف أي أنزله لتنذر الخ، وقيل: بما تعلق به { مِن رَبّكَ } { وقوما } مفعول أول لتنذر والمفعول الثاني محذوف أي العقاب و { مَا } نافية كما هو الظاهر و { مِنْ } الأولى صلة { وَنَذِيرٌ } فاعل { ءاتَـٰهُمُ } ويطلق على الرسول وهو المشهور وعلى ما يعمه والعالم الذي ينذر عنه عز وجل قيل: وهو المراد هنا كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4