الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } أي خرجوا عن الطاعة فكفروا وارتكبوا المعاصي { فَمَأْوَاهُمُ } أي فمسكنهم ومحلهم { ٱلنَّارِ } وذكر بعضهم أن المأوى صار متعارفاً فيما يكون ملجأ للشخص ومستراحاً يستريح إليه من الحر والبرد ونحوهما فإذا أريد هنا يكون في الكلام استعارة تهكمية كما في قوله تعالى:فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٌ } [آل عمران: 21]، وجوز أن يكون استعمال ذلك من باب المشاكلة لأنه لما ذكر في أحد القسمينفَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ } [السجدة: 19] ذكر في الآخر { فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ }.

{ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ } استئناف لبيان كيفية كون النار مأواهم والكلام على حد قوله تعالى:جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } [الكهف: 77] على ما قيل، والمعنى كلما شارفوا الخروج منها وقربوا منه أعيدوا فيها ودفعوا إلى قعرها، فقد روي أنهم يضربهم لهب النار فيرتفعون إلى أعلاها حتى إذا قربوا من بابها وأرادوا أن يخرجوا منها يضربهم اللهب فيهوون إلى قعرها وهكذا يفعل بهم أبداً، وقيل: الكلام على ظاهره إلا أن فيه حذفاً أي / كلما أرادوا أن يخرجوا منها فخرجوا من معظمها أعيدوا فيها، ويشير إلى أن الخروج من معظمها قوله تعالى: { فِيهَا } دون إليها، أن يكون الكلام هنا عبارة عن خلودهم فيها، وأياً ما كان لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى:وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } [البقرة: 167].

{ وَقِيلَ لَهُمْ } تشديداً عليهم وزيادة في غيظهم. { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ } أي بعذاب النار { تُكَذّبُونَ } على الاستمرار في الدنيا وأظهرت النار مع تقدمها قبل لزيادة التهديد والتخويف وتعظيم الأمر، وذكر ابن الحاجب في «أماليه» وجهاً آخر للإظهار وهو أن الجملة الواقعة بعد القول حكاية لما يقال لهم يوم القيامة عند إرادتهم الخروج من النار فلا يناسب ذلك وضع الضمير إذ ليس القول حينئذٍ مقدماً عليه ذكر النار وإنما ذكرها سبحانه قبل إخباراً عن أحوالهم، ونظر فيه الطيبـي عليه الرحمة بأن هذا القول داخل أيضاً في حيز الإخبار لعطفه على { أُعِيدُواْ } الواقع جواباً لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيضاً إن لم يقصد زيادة التهديد والتخويف. ورد بأن المانع أنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغيير ولا إضمار في المحكي لعدم تقدم ذكر النار فيه. وتعقب بأنه قد يناقش فيه بأن مراده أنه يجوز رعاية المحكي والحكاية وكما أن الأصل رعاية المحكي الأصل الإضمار إذا تقدم الذكر فلا بد من مرجح.

وقال بعض المحققين: أراد ابن الحاجب أن الإظهار هو المناسب في هذه الجملة نظراً إلى ذاتها ونظراً إلى سياقها أما الأول: فلأنها تقال من غير تقدم ذكر النار، وأما الثاني: فلأن سياق الآية للتهديد والتخويف وتعظيم الأمر وفي الإظهار من ذلك ما ليس في الإضمار وهذا بعيد من أن يرد عليه نظر الطيبي، والإنصاف أن كلاً ن الإضمار والإظهار جائز وأنه رجح الإظهار اقتضاء السياق لذلك.

السابقالتالي
2