الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

{ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ } أي علاهم وغطاهم من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق وهو المناسب هنا، وقيل: أي أي أتاهم من الغشيان بمعنى الإتيان وضمير { غَشِيَهُمْ } إن اتحد بضمير المخاطبين قبله ففي الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة وإلا فلا التفات، والموج ما يعلو من غوارب الماء وهو اسم جنس واحده موجة وتنكيره للتعظيم والتكثير، ولذا أفرد مع جمع المشبه به في قوله تعالى: { كَٱلظُّلَلِ } وهو جمع ظلة كغرفة وغرف وقربة وقرب، والمراد بها ما أظل من سحاب أو جبل أو غيرهما. وقال الراغب: الظلة السحابة تظل وأكثر ما يقال فيما يستوخم ويكره، وفسر قتادة الظلل هنا بالسحاب، / وبعضهم بالجبال، وقرأ محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه { كالظلال } وهو جمع ظلة أيضاً كعلبة وعلاب وجفرة وجفار، و(إذا) ظرف لقوله تعالى: { دَّعَوَا } أي دعوا { ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } إذا غشيهم موج كالظلل وإنما فعلوا ذلك حينئذ لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد.

{ فَلَمَّا نَجَّـٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } سالك القصد أي الطريق المستقيم لا يعدل عنه لغيره، وأصله استقامة الطريق ثم أطلق عليه مبالغة، والمراد بالطريق المستقيم التوحيد مجازاً فكأنه قيل: فمنهم مقيم على التوحيد، وقول الحسن: أي مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعمة يرجع إلى هذا، وقيل: مقتصد من الاقتصاد بمعنى التوسط والاعتدال. والمراد حينئذ على ما قيل متوسط في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء موف بما عاهد عليه الله تعالى في البحر، وتفسيره بموف بعهده مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويدخل في هذا البعض على هذا المعنى عكرمة بن أبـي جهل فقد روى السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يكفوا عن قتل أهلها إلا أربعة نفر منهم قال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبـي جهل وعبد الله بن خطل وقيس بن ضبابة وعبد الله بن أبـي سرح. فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصفة فقال أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هٰهنا فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجني في البر غيره. اللهم إن لك عليَّ عهداً إن أنت عافيني مما أنا فيه أن آتي محمداً صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفواً كريماً فجاء وأسلم، وقيل: متوسط في الكفر لانزجاره بما شاهد بعض الانزجار. وقيل: متوسط في الإخلاص الذي كان عليه في البحر فإن الإخلاص الحادث عند الخوف قلما يبقى لأحد عند زوال الخوف.

السابقالتالي
2