الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تضمنته الآيات وأشارت إليه من سعة العلم وكمال القدرة واختصاص الباري تعالى شأنه بها { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي بسبب أنه سبحانه وحده الثابت المتحقق في ذاته أي الواجب الوجود. { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } إلهاً { ٱلْبَـٰطِلُ } المعدوم في حد ذاته وهو الممكن الذي لا يوجد إلا بغيره وهو الواجب تعالى شأنه { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِىُّ } على الأشياء { ٱلْكَبِيرُ } عن أن يكون له سبحانه شريك أو يتصف جل وعلا بنقص لا بشيء أعلى منه تعالى شأنه شأناً وأكبر سلطاناً، ووجه سببية الأول لما ذكر أن كونه تعالى وحده واجب الوجود في ذاته يستلزم أن يكون هو سبحانه وحده الموجد لسائر المصنوعات البديعة الشأن فيدل على كمال قدرته عز وجل وحده والإيجاب قد أبطل في الأصول ومن صدرت عنه جميع هاتيك المصنوعات لا بد من أن يكون كامل العلم على ما بين في الكلام، ووجه سببية الثالث لذلك أن كونه تعالى وحده علياً على جميع الأشياء متسلطاً عليها متنزهاً عن أن يكون له سبحانه شريك أو يتصف بنقص عز وجل يستلزم / كونه تعالى وحده واجب الوجود في ذاته وقد سمعت الكلام فيه، وأما وجه سببية كون ما يدعونه من دونه إلهاً باطلاً ممكناً في ذاته لذلك فهو أن إمكانه على علو شأنه عندهم على ما عداه مما لم يعتقدوا إلهيته يستلزم إمكان غيره مما سوى الله عز وجل لأن ما فيه مما يدل على إمكانه موجود في ذلك حذو القذة بالقذة ومتى كان ما يدعونه إلهاً من دونه تعالى وغيره مما سوى الله سبحانه وتعالى ممكناً انحصر وجوب الوجود في الله تعالى فيكون جل وعلا وحده واجب الوجود في ذاته وقد علمت إفادته للمطلوب وكأنه إنما قيل إن ما يدعون من دونه الباطل دون إن ما سواه الباطل مثلا نظير قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل   
تنصيصاً على فظاعة ما هم عليه واستلزام ذلك إمكان ما سوى الله تعالى من الموجودات من باب أولى بناء على ما يزعم المشركون في آلهتهم من علو الشأن ولم يكتف في بيان السبب بقوله سبحانه: { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } بل عطف عليه ما عطف مع أنه مما يعود إليه وتشعر تلك الجملة به إظهاراً لكمال العناية بالمطلوب وبما يفيده منطوق المعطوف من بطلان الشريك وكونه تعالى هو العلي الكبير.

وقيل: أي ذلك الاتصاف بما تضمنته الآيات من عجائب القدرة والحكمة بسبب أن الله تعالى هو الإله الثابت إلهيته وأن من دونه سبحانه باطل الإلهية وإن الله تعالى هو العلي الشأن الكبير السلطان ومدار أمر السببية على كونه سبحانه هو الثابت الإلهية وبين ذلك الطيبـي بأنه قد تقرر أن من كان إلهاً كان قادراً خالقاً عالماً إلى غير ذلك من صفات الكمال ثم قال إن قوله تعالى ذلك { بأن الله هو الحق } كالفذلكة لما تقدم من قوله تعالى:

السابقالتالي
2