الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ }

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } أي القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة وصارت علماً لها بالغلبة كالنجم للثريا والكوكب للزهرة، والمراد بقيامها وجودها أو قيام الخلائق فيها { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ } أي ما أقاموا في القبور كما روي عن الكلبـي ومقاتل، والمراد به ما أقاموا بعد الموت { غَيْرَ سَاعَةٍ } أي قطعة من الزمان قليلة، وروى غير واحد عن قتادة أنهم يعنون ما لبثوا في الدنيا غير ساعة، ورجح الأول بأنه الأظهر لأن لبثهم مغيا بيوم البعث كما سيأتي إن شاء الله تعالى وليس لبثهم في الدنيا كذلك، وقيل: يعنون ما لبثوا فيما بين فناء الدنيا والبعث وهو ما بين النفختين، وفي الحديث الصحيح عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين النفختين أربعون قيل أربعون يوماً يا أبا هريرة قال أبيت قيل أربعون شهراً قال أبيت قيل أربعون سنة قال: أبيت " وعنى بقوله رضي الله تعالى عنه أبيت: امتنعت من بيان ذلك لكم أو أبيت أن أسأل النبـي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولهذا الحديث قيل لا يعلم أهي أربعون سنة أم أربعون ألف سنة. وحكى السفاريني في «البحور الزاخرة» عن بعضهم دعوى اتفاق الروايات على أن ما بين النفختين أربعون عاماً، وأنا أقول: الحق أنه لا يعلمه إلا الله تعالى ودعوى الاتفاق لم يقم عندي دليل عليها.

وذكر الزمخشري أن ذلك وقت ينقطع عذابهم فيه واستقلوا مدة لبثهم كذباً على ما روي عن الكلبـي أو نسياناً لما عراهم من هول المطلع على ما قيل، وجوز أن يكون استقلالهم تلك المدة بالإضافة إلى مدة عذابهم يومئذ ولا يبعد علمهم بها سواء كان هذا القول في أول وقت الحشر أو في أثنائه أو بعد دخول النار، وجوز أن يكونوا عدوا مدة بقائهم في الدنيا ساعة لعدم انتفاعهم بها والكثير بلا نفع قليل كما أن القليل مع النفع كثير / فالكلام تأسف وتحسر على إضاعتهم أيام حياتهم، وبين الساعة وساعة جناس تام مماثل كما أطبق عليه البلغاء إلا من لا يعتد به ولا يضر في ذلك اختلاف الحركة الإعرابية ولا وجود أل في إحدى الكلمتين لزيادتها على الكلمة، وكذا لا يضر اتحاد مدلولهما في الأصل لأن المعرفة فيه كالمنكر بمعنى القطعة من الزمان لمكان النقل في المعرف وصيرورته علماً على القيامة كسائر الأعلام المنقولة وأخذ أحدهما من الآخر لا يضر أيضاً كما يوضح ذلك ما قرروه في جناس الاشتقاق، وظن بعضهم أن الساعة في القيامة مجاز ولذا أنكر التجنيس هنا إذ التجنيس المذكور لا يكون بين حقيقة ومجاز فلا تجنيس في نحو ركبت حماراً ولقيت حماراً معمماً تعني رجلاً بليداً واشتهر أنه لم يقع في القرآن الكريم هذا النوع من الجناس إلا في هذا الموضع، واستنبط شيخ الإسلام ابن حجر عليه الرحمة موضعاً آخر وهو قوله تعالى:

السابقالتالي
2