الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

والكلام مسوق لتسلية رسوله صلى الله عليه وسلم وتوطئة لأمره عليه الصلاة والسلام بقوله سبحانه: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً } قال العلامة الطيبـي: إنه تعالى عقيب ما عدد الآيات البينات والشواهد الدالة على الوحدانية ونفي الشرك وإثبات القول بالمعاد وضرب سبحانه المثل وقال سبحانه:كَذَلِكَ نُفَصّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الروم: 28] أراد جل شأنه أن يسلي حبيبه صلوات الله تعالى وسلامه عليه ويوطنه على اليأس من إيمانهم فأضرب تعالى عن ذلك وقال سبحانه: { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ } وجعل السبب في ذلك أنه عز وجل ما أراد هدايتهم وأنه مختوم على قلوبهم ولذلك رتب عليه قوله تعالى: { فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } على التقريع والإنكار ثم ذيل سبحانه الكل بقوله تعالى:وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } [الروم: 29] يعني إذا أراد الله تعالى منهم ذلك فلا مخلص لهم منه ولا أحد ينقذهم لا أنت ولا غيرك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فاهتم بخاصة نفسك ومن تبعك وأقم وجهك الخ اهـ، ومنه يعلم حال الفاء في قوله تعالى: { فَمَنْ } وكذا في قوله سبحانه: { فَأَقِمْ } وقدر النيسابوري للثانية إذا تبين الحق وظهرت الوحدانية فأقم الخ، ولعل ما أشار إليه الطيبـي أولى، ثم إنه يلوح من كلامه احتمال أن يكون الموصول قائماً مقام ضمير { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } فتدبر.

{ وَأَقِمِ } من أقام العدو ويقال قوم العود أيضاً إذا عدله، والمراد الأمر بالإقبال على دين الإسلام والاستقامة والثبات عليه والاهتمام بترتيب أسبابه على أن الكلام تمثيل لذلك فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد إليه طرفه وسدد إليه نظره وأقبل عليه بوجه غير ملتفت عنه فكأنه قيل: فعدل وجهك للدين وأقبل عليه إقبالاً كاملاً غير ملتفت يميناً وشمالاً، وقال بعض الأجلة: إن إقامة الوجه للشيء كناية عن كمال الاهتمام به ولعله أراد بالكناية المجاز المتفرع على الكناية فإنه لا يشترط فيه إمكان إرادة المعنى الحقيقي، ونصب { حَنِيفاً } على الحال من الضمير في { أَقِمِ } أو من الدين، وجوز أبو حيان كونه حالاً من الوجه، وأصل الحنف الميل من الضلال إلى الاستقامة وضده الجنف بالجيم.

{ فِطْرَتَ ٱللَّهِ } نصب على الإغراء أي الزموا فطرة الله تعالى، ومن أجاز إضمار أسماء الأفعال جوز أن يقدر هنا عليكم اسم فعل، وقال مكي: هو نصب باضمار فعل أي اتبع فطرة الله ودل عليه قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ } لأن معناه اتبع الدين، واختاره الطيبـي وقال: إنه أقرب في تأليف النظم لأنه موافق لقوله تعالى: { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ } ولترتب قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } عليه بالفاء.

السابقالتالي
2 3 4