الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً } يتبين به بطلان الشرك { مّنْ أَنفُسِكُمْ } أي منتزعاً من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم وأعرفها عندكم وأظهرها دلالة على ما ذكر من بطلان الشرك لكونها بطريق الأولوية، و { مِنْ } لابتداء الغاية وقوله تعالى: { هَلْ لَّكُمْ } إلى آخره تصوير للمثل، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي و { لَكُمْ } خبر مقدم وقوله تعالى: { مّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } في موضع الحال من { شُرَكَاء } بعد لأنه نعت نكرة تقدم عليها؛ والعامل فيها كما في «البحر» هو العامل في الجار والمجرور الواقع خبراً و { مِنْ } للتبعيض و { مَا } واقعة على النوع، وقوله تعالى: { مّن شُرَكَاء } مبتدأ و { مِنْ } مزيدة لتأكيد النفي المستفادة من الاستفهام، وقوله تعالى: { فِى مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } متعلق بشركاء أي هل شركاء فيما رزقناكم من الأموال وما يجري مجراها مما تتصرفون فيه كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم من نوع العبيد والإماء كائنون لكم. وجوز أن يكون { لَكُمْ } متعلقاً بشركاء ويكون { فِيمَا رَزَقْنَـٰكُمْ } في موضع الخبر كما تقول لزيد في المدينة / مبغض فلزيد متعلق بمبغض الذي هو مبتدأ وفي المدينة الخبر أي هل شركاء لكم كائنون مما ملكته أيمانكم كائنون فيما رزقناكم.

وقوله تعالى: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } جملة في موضع الجواب للاستفهام الإنكاري { وَفِيهِ } متعلق بسواء، وفي الكلام محذوف معطوف على { أَنتُمْ } أي فانتم وهم أي المماليك مستوون فيه لا فرق بينكم وبينهم في التصرف فيه، وقيل: لا حذف { وَأَنتُمْ } شامل للمماليك بطريق التغليب، وقوله تعالى: { تَخَافُونَهُمْ } خبر آخر لأنتم، وقال أبو البقاء: حال من ضمير { أَنتُمْ } الفاعل في { سَوَآء } وقوله تعالى: { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } في موضع الصفة لمصدر محذوف أي تخافونهم أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم يعني الأحرار المساهمين لكم، والمقصود نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أي لا ترضون بأن يشارككم فيما رزقناكم من الأموال ونحوها مماليككم وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بل لله تعالى فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه تعالى الذاتية مخلوقه سبحانه بل مصنوع مخلوقه جل وعلا حيث تصنعونه بأيدكم ثم تعبدونه.

وقرأ ابن أبـي عبلة { أَنفُسَكُـمْ } بالرفع على أن المصدر مضاف للمفعول { وأَنفُسَكُمْ } فاعله، قال أبو حيان: وهو وجه حسن ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل.

{ كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك التفصيل الواضح { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } أي نبينها ونوضحها لا تفصيلاً أدنى منه فإن التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحصوص وإبراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس فيكون في غاية الإيضاح والبيان.

السابقالتالي
2