الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

{ فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ } كإهلاك من قصده من الجبابرة بسوء كأصحاب الفيل وغيرهم وعدم تعرض ضواري السباع للصيود فيه وعدم نفرة الطير من الناس هناك، وإن أيّ ركن من البيت وقع الغيث في مقابلته كان الخصب فيما يليه من البلاد فإذا وقع في مقابلة الركن اليماني كان الخصب باليمن، وإذا كان في مقابلة الركن الشامي كان الخصب بالشام؛ وإذا عم البيت كان في جميع البلدان وكقلة الجمرات على كثرة الرماة إلى غير ذلك وعدوا منه انحراف الطير عن موازاته على مدى الأعصار، وفيه كلام للمحدثين لأن منها ما يعلوه، وقيل: لا يعلوه إلا ما به علة للاستشفاء، واعترض بأن العقاب علته لأخذ الحية، وقيل: إن الطير المهدر دمها تعلوه والحمام مع كثرته لا يعلوه وبه جمع بعضهم بين الكلامين ـ ومع هذا في القلب منه شيء ـ فقد نقل بعض الناس أنه شاهد أن الطير مطلقاً تعلوه في بعض الأحايين / والضمير المجرور عائد علىٱلْبَيْتِ } [آل عمران: 96]، والظرفية مجازية وإلا لما صح عدّ هذه الآيات، والجملة إما مستأنفة جىء بها بياناً وتفسيراً للهدى، وإما حال أخرى ولا بأس في ترك الواو في الجملة الاسمية الحالية على ما أشار إليه عبد القاهر وغيره، وجوز أن تكون حالاً من الضمير في العالمين والعامل فيه هدى، أو من الضمير فيمُبَارَكاً } [آل عمران: 96] وهو العامل فيها، أو يكون صفة لهدى كما أن العالمين كذلك.

وقوله تعالى: { مَقَامُ إِبْرٰهِيمَ } مبتدأ محذوف الخبر أو خبر محذوف المبتدأ أي منها أو أحدها مقام إبراهيم، واختار الحلبـي الأخير، وقيل: بدل البعض من الكل وإليه ذهب أبو مسلم، وجوز بعضهم أن يكون عطف بيان وصح بيان الجمع بالمفرد بناءاً على اشتمال المقام على آيات متعددة لأن أثر القدمين في الصخرة الصماء آية وغوصهما فيها إلى الكعبين آية وإلانة بعض هذا النوع دون بعض آية وإبقاؤه على ممر الزمان آية وحفظه من الأعداء آية أو على أن هذه الآية الواحدة لظهور شأنها وقوة دلالتها على قدرة الله تعالى ونبوة إبراهيم عليه السلام منزلة منزلة آيات كثيرة، وأيد ذلك بما أخرجه ابن الأنباري عن مجاهد أنه كان يقرأ ـ فيه آية بينة ـ بالتوحيد، وفيه أن هذا وإن ساغ معنى إلا أنه يرد عليه أن { ءايَـٰتٌ } نكرة، و { مَقَامُ إِبْرٰهِيمَ } معرفة، وقد صرح أبو حيان أنه لا يجوز التخالف في عطف البيان بإجماع البصريين والكوفيين، ثم إن سبب هذا الأثر في هذا المقام ما ورد في الأثر عن سعيد بن جبير أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه وقد تقدم غير ذلك في ذلك أيضاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد