الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } كلام مستأنف لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم ـ إثر بيان ما لا ينفع الكفار ولا يقبل منهم، و ـ تنال ـ من نال نيلاً إذا أصاب ووجد، ويقال: نال العلم إذا وصل إليه واتصف به، والبر الاحسان وكمال الخير، وبعضهم يفرق بينه وبين الخير بأن البر هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك، والخير هو النفع مطلقاً وإن وقع سهواً، وضد البر العقوق، وضد الخير الشر، و ـ أل ـ فيه إما للجنس والحقيقة، والمراد لن تكونوا أبراراً حتى تنفقوا وهو المروي عن الحسن، وإما لتعريف العهد، والمراد لن تصيبوا بر الله تعالى يا أهل طاعته حتى تنفقوا، وإلى ذلك ذهب مقاتل وعطاء. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه تفسير البر بالجنة، وروي مثله عن مسروق والسدي وعمرو بن ميمون، وذهب بعضهم إلى أن الكلام على حذف مضاف أي ـ لن تنالوا ثواب البر، وحتى بمعنى إلى، و ـ من ـ تبعيضية، ويؤيده قراءة عبد الله (بعض ما تحبون)، وقيل: بيانية، وعليه أيضاً لا تخالف بين القراءتين معنى، و (ما) موصولة أو موصوفة، وجعلها مصدرية والمصدر بمعنى المفعول جائز على رأي أبـي علي.

وفي المراد من قوله سبحانه: { مِمَّا تُحِبُّونَ } أقوال، فقيل المال وكنى بذلك عنه لأن جميع الناس يحبونه، وقيل: نفائس الأموال وكرائمها، وقيل: ما يعم ذلك وغيره من سائر الأشياء التي يحبها الإنسان ويهواها، والإنفاق على هذا مجاز، وعلى الأولين حقيقة. وكان السلف رضي الله تعالى عنهم إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله تعالى، فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: " كان أبو طلحة أكثر الأنصار نخلاً بالمدينة وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان النبـي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله تعالى يقول: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة/ في أقاربه وبني عمه " وفي رواية لمسلم وأبـي داود «فجعلها بين حسان بن ثابت وأُبي بن كعب». وأخرج ابن أبـي حاتم وغيره عن محمد بن المنكدر قال: «لما نزلت هذه الآية

السابقالتالي
2 3