الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا } أي إن من أهل الكتاب الخائنين لجماعة { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَـٰبِ } أي يحرفونه ـ قاله مجاهد ـ وقيل: أصل ـ الليّ ـ الفتل من قولك: لويت يده إذا فتلتها، ومنه لويت الغريم إذا مطلته/ حقه قال الشاعر:
تطيلين لياني وأنت (ملية)   وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
وفي الخبر " ليّ الواجد ظلم " فالمعنى يفتلون ألسنتهم في القراءة بالتحريف في الحركات ونحوها تغييراً يتغير به المعنى ويرجع هذا في الآخرة إلى ما قاله مجاهد، وقريب منه ما قيل: إن المراد يميلون الألسنة بمشابه الكتاب، و ـ الألسنة ـ جمع لسان، وذكر ابن الشحنة أنه يذكر ويؤنث. ونقل عن أبـي عمرو بن العلاء أن من أنثه جمعه على ألسن، ومن ذكره جمعه على ألسنة، وعن الفراء أنه قال: اللسان بعينه لم أسمعه من العرب إلا مذكراً ولا يخفى أن المثبت مقدم على النافي؛ والباء صلة أو للآلة أو للظرفية أو للملابسة، والجار والمجرور حال من الألسنة أي ملتبسة بالكتاب.

وقرأ أهل المدينة ـ يلوون ـ بالتشديد فهو على حدلَوَّوْاْ رُءوسَهُمْ } [المنافقون: 5] وعن مجاهد وابن كثير ـ يلون ـ على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها كذا قيل، واعترض عليه بأنه لو نقلت ضمة الواو لما قبلها فحذفت لالتقاء الساكنين كفى في التوجيه فأي حاجة إلى قلب الواو همزة، ورد بأنه فعل ذلك ليكون على القاعدة التصريفية بخلاف نقل حركة الواو ثم حذفها على ما عرف في التصريف، ونظر فيه بعض المحققين بأن الواو المضمومة إنما تبدل همزة إذا كانت ضمتها أصلية فهو مخالف للقياس أيضاً. نعم قرىء ـ يلؤون ـ بالهمز في الشواذ وهو يؤيده، وعلى كل ففيه اجتماع إعلالين ومثله كثير، وأما جعله من ـ الولي ـ بمعنى القرب أي يقربون ألسنتهم بميلها إلى المحرف فبعيد من الصحيح قريب إلى المحرف.

{ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي لتظنوا أيها المسلمون أن المحرف المدلول عليه ـ باللي ـ أو المشابه من كتاب الله تعالى المنزل على بعض أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وقرىء (ليحسبوه) بالياء والضمير أيضاً للمسلمين. { وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَـٰبِ } ولكنه من قبل أنفسهم { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } أي ويزعمون صريحاً غير مكتفين بالتورية والتعريض أن المحرف أو المشابه نازل من عند الله { وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي وليس هو نازلاً من عند الله تعالى، و ـ الواو ـ للحال والجملة حال من ضمير المبتدأ في الخبر، وفي جملة { وَيَقُولُونَ } الخ تأكيد للنفي الذي قبلها وليس الغرض التأكيد فقط وإلا لما توجه العطف بل التشنيع أيضاً بأنهم لم يكتفوا بذلك التعريض حتى ارتكبوا هذا التصريح وبهذا حصلت المغايرة المقتضية للعطف، والإظهار في موضع الإضمار لتهويل ما قدموا عليه.

السابقالتالي
2 3