الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ }

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن اتباعك وتصديقك بعد هذه الآيات البينات، وهذا على تقدير أن يكون الفعل ماضياً، ويحتمل أن يكون مضارعاً وحذفت منه إحدى التاءين تخفيفاً، وأصله تتولوا { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } أي بهم أو بكم، والجملة جواب الشرط في الظاهر لكن المعنى على ما يترتب على علمه بالمفسدين من معاقبته لهم، فالكلام للوعيد ووضع الظاهر موضع الضمير تنبيهاً على العلة المقتضية للجزاء والعقاب وهي الإفساد، وقيل: المعنى على أن الله عليم بهؤلاء المجادلين بغير حق وبأنهم لا يقدمون على مباهلتك لمعرفتهم نبوتك وثبوت رسالتك، والجملة على هذا أيضاً عند التحقيق قائمة مقام الجواب إلى أنه ليس الجزاء والعقاب، والكلام منساق لتسليته صلى الله عليه وسلم ولا يخفى ما فيه.

ومن باب الإشارة في الآيات: { فَلَمَّا أَحَسَّ } أي شاهد { عِيْسى } بواسطة النور الإلۤهي المشرق عليه { مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } أي ظلمته، أو نفسه فإن المعاني تظهر للكمل على صور مختلفة باختلافها فيرونها. وحكي عن الباز قدس سره أنه قال: إن الليل والنهار يأتياني فيخبراني بما يحدث فيهما، وعن بعض العارفين أنه يشاهد أعمال العباد كيف تصعد إلى السماء ويرى البلاء النازل منها { قَالَ مَنْ أَنصَارِى } في حال دعوتي { إِلَى ٱللَّهِ } سبحانه بأن يلتفت إلى الاشتغال بتكميل نفسه وتهذيب أخلاقها حتى يصلح لتربية الناقصين فينصرني ويعينني في تكميل الناقص وإرشاد الضال { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } المبيضون ثياب وجودهم بمياه العبادة ومطرقة المجاهدة وشمس المراقبة { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } أي أعوان الفانين فيه الباقين به ومنهم عيسى عليه السلام { ءامنَّا بِٱللَّهِ } الإيمان الكاملوَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 52] أي منقادون لأمرك حيث إنه أمر الله سبحانه { رَبَّنَا ءامَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ } وهو ما نورت به قلوب أصفيائك من علوم غيبك { وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ } فيما أظهر من أوامرك ونواهيك رجاء أن يوصلنا ذلك إلى محبتكفَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } [آل عمران: 53] أي مع من يشهدك ولا يشهد معك سواك، أو الحاضرين لك المراقبين لأمرك { وَمَكَرُواْ } أي الذين أحس منهم الكفر واحتالوا مع أهل الله بتدبير النفس فكان مكرهم مكر الحق عليهم لأنه المزين ذلك لهم كما قال سبحانه:كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } [الأنعام: 108] فهو الماكر/ في الحقيقة وهذا معنىوَمَكَرَ ٱللَّهُ } [آل عمران: 54] عند بعض، والأولى القول باختلاف المكرين على ما يقتضيه مقام الفرق، وقد سئل بعضهم كيف يمكر الله؟ فصاح وقال: لا علة لصنعه وأنشأ يقول:
فديتك قد جبلت على هواكا   ونفسي لا تنازعني سواكا
أحبك لا ببعضي بل بكلي   وإن لم يبق حبك لي حراكا
ويقبح من ـ سواك الفعل ـ عندي   ـ وتفعله فيحسن منك ذاكا ـ

السابقالتالي
2