{ وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } منصوب بمضمر يجر إليه المعنى معطوفاً على{ يُعَلِّمُهُ } [آل عمران: 48] أي ونجعله رسولاً ـ وهو الذي اختاره أبو حيان ـ وقيل: إنه منصوب بمضمر معمول لقول مضمر معطوف على ـ يعلمه ـ أي ويقول عيسى أرسلت رسولاً، ولا يخفى أن عطف هذا القول على { يُعَلِّمُهُ } إذا كان مستأنفاً مما ليس فيه كثير بأس، وأما على تقدير عطفه على{ يُبَشّرُكِ } [آل عمران: 45] أو{ يَخْلُقُ } [آل عمران: 47] فقد طعن فيه العلامة التفتازاني بأنه يكون التقدير ـ إن الله يبشرك ـ أو إن الله يخلق ما يشاء ـ ويقول عيسى كذا، وفيه العطف على الخبر ولا رابط بينهما إلا بتكلف عظيم، وفي «البحر»: إن هذا الوجه مطلقاً ضعيف إذ فيه إضمار شيئين القول ومعموله، والاستغناء عنهما باسم منصوب على الحال المؤكدة؛ واختار بعضهم عطفه على الأحوال المتقدمة مضمناً معنى/ النطق فلا يضر كونها في حكم الغيبة مع كون هذا في حكم التكلم إذ يكون المعنى حال كونه ـ وجيهاً ـ ورسولاً ناطقاً بكذا، والرسول على سائر التقادير صفة كشكور وصبور، وفعول هنا بمعنى مفعل، واحتمال ـ أن يكون مصدراً كما قال أبو البقاء مثله في قول الشاعر:
أبلغ أبا سلمى (رسولاً) تروعه
ويجعل معطوفاً على{ ٱلْكِتَـٰبَ } [آل عمران: 48] أي ويعلمه رسالة ـ بعيد لفظاً ومعنى، أما الأول: فلأن المتبادر الوصفية لا المصدرية، وأما ثانياً: فلأن تعليم الرسالة مما لا يكاد يوجد في كلامهم، والظرف إما متعلق ـ برسولاً ـ أو بمحذوف وقع صفة له أي ـ رسولاً كائناً إلى بني إسرائيل أي كلهم، قيل: وتخصيصهم بالذكر للإيذان بخصوص بعثته، أو للرد على من زعم من اليهود أنه مبعوث إلى غيرهم. ولي في نسبة هذا الزعم لبعض اليهود تردد ـ وليس ذلك في الكتب المشهورة ـ والذي رأيناه فيها أنهم في عيسى الذي قص الله تعالى علينا من أمره ما قص فرقتان: فرقة ترميه ـ وحاشاه بأفظع ما رمت به أمة نبيها ـ وهم أكثر اليهود، وفرقة يقال لهم (العنانية أصحاب عنان بن داود رأس الجالوت يصدقونه في مواعظه وإشاراته ويقولون: إنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها ودعا الناس إليها، وإنه من المستجيبين لموسى عليه السلام، ومن بني إسرائيل المتعبدين وليس برسول ولا نبـي، ويقولون: إن سائر اليهود ظلموه حيث كذبوه أولاً ولم يعرفوا مدعاه وقتلوه آخراً ولم يعرفوا مرامه ومغزاه) نعم من اليهود فرقة يقال لهم العيسوية ـ أصحاب أبـي عيسى إسحق بن يعقوب الأصفهاني الذي يسميه بعضهم (بعرقيد الوهيم) ـ يزعمون: أن لله تعالى رسولاً بعد موسى عليه السلام يسمى المسيح إلا أنه لم يأت بعد ويدعون أن له خمسة من الرسل يأتون قبله واحداً بعد واحد وأن صاحبهم هذا أحد رسله ـ وكل من هذه الأقوال بعيد ـ عما ادعاه صاحب القيل بمراحل ـ ولعله وجد ما يوافق دعواه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.