الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

{ وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } منصوب بمضمر يجر إليه المعنى معطوفاً علىيُعَلِّمُهُ } [آل عمران: 48] أي ونجعله رسولاً ـ وهو الذي اختاره أبو حيان ـ وقيل: إنه منصوب بمضمر معمول لقول مضمر معطوف على ـ يعلمه ـ أي ويقول عيسى أرسلت رسولاً، ولا يخفى أن عطف هذا القول على { يُعَلِّمُهُ } إذا كان مستأنفاً مما ليس فيه كثير بأس، وأما على تقدير عطفه علىيُبَشّرُكِ } [آل عمران: 45] أويَخْلُقُ } [آل عمران: 47] فقد طعن فيه العلامة التفتازاني بأنه يكون التقدير ـ إن الله يبشرك ـ أو إن الله يخلق ما يشاء ـ ويقول عيسى كذا، وفيه العطف على الخبر ولا رابط بينهما إلا بتكلف عظيم، وفي «البحر»: إن هذا الوجه مطلقاً ضعيف إذ فيه إضمار شيئين القول ومعموله، والاستغناء عنهما باسم منصوب على الحال المؤكدة؛ واختار بعضهم عطفه على الأحوال المتقدمة مضمناً معنى/ النطق فلا يضر كونها في حكم الغيبة مع كون هذا في حكم التكلم إذ يكون المعنى حال كونه ـ وجيهاً ـ ورسولاً ناطقاً بكذا، والرسول على سائر التقادير صفة كشكور وصبور، وفعول هنا بمعنى مفعل، واحتمال ـ أن يكون مصدراً كما قال أبو البقاء مثله في قول الشاعر:
أبلغ أبا سلمى (رسولاً) تروعه   
ويجعل معطوفاً علىٱلْكِتَـٰبَ } [آل عمران: 48] أي ويعلمه رسالة ـ بعيد لفظاً ومعنى، أما الأول: فلأن المتبادر الوصفية لا المصدرية، وأما ثانياً: فلأن تعليم الرسالة مما لا يكاد يوجد في كلامهم، والظرف إما متعلق ـ برسولاً ـ أو بمحذوف وقع صفة له أي ـ رسولاً كائناً إلى بني إسرائيل أي كلهم، قيل: وتخصيصهم بالذكر للإيذان بخصوص بعثته، أو للرد على من زعم من اليهود أنه مبعوث إلى غيرهم. ولي في نسبة هذا الزعم لبعض اليهود تردد ـ وليس ذلك في الكتب المشهورة ـ والذي رأيناه فيها أنهم في عيسى الذي قص الله تعالى علينا من أمره ما قص فرقتان: فرقة ترميه ـ وحاشاه بأفظع ما رمت به أمة نبيها ـ وهم أكثر اليهود، وفرقة يقال لهم (العنانية أصحاب عنان بن داود رأس الجالوت يصدقونه في مواعظه وإشاراته ويقولون: إنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها ودعا الناس إليها، وإنه من المستجيبين لموسى عليه السلام، ومن بني إسرائيل المتعبدين وليس برسول ولا نبـي، ويقولون: إن سائر اليهود ظلموه حيث كذبوه أولاً ولم يعرفوا مدعاه وقتلوه آخراً ولم يعرفوا مرامه ومغزاه) نعم من اليهود فرقة يقال لهم العيسوية ـ أصحاب أبـي عيسى إسحق بن يعقوب الأصفهاني الذي يسميه بعضهم (بعرقيد الوهيم) ـ يزعمون: أن لله تعالى رسولاً بعد موسى عليه السلام يسمى المسيح إلا أنه لم يأت بعد ويدعون أن له خمسة من الرسل يأتون قبله واحداً بعد واحد وأن صاحبهم هذا أحد رسله ـ وكل من هذه الأقوال بعيد ـ عما ادعاه صاحب القيل بمراحل ـ ولعله وجد ما يوافق دعواه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6