الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ }

{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } شروع في قصة عيسى عليه السلام، والمراد بالملائكة جبريل عليه السلام على المشهور، والقول شفاهي كما رواه ابن أبـي حاتم عن قتادة، و { إِذْ } المضافة إلى ما بعدها بدل من نظيرتها السابقة بدل كل من كل، وقيل: بدل اشتمال ولا يضر الفصل إذ الجملة الفاصلة بين البدل والمبدل منه اعتراض جيء به تقريراً/ لما سبق وتنبيهاً على استقلاله وكونه حقيقياً بأن يعد على حياله من شواهد النبوة قالوا: وترك العطف بناءاً على اتحاد المخاطب والمخاطب وإيذاناً بتقارن الخطابين أو تقاربهما في الزمان، وجوز أبو البقاء كون الظرف منصوباً باذكر مقدراً، وأن يكون ظرفاً ـ ليختصمون ـ وقيل: إنه بدل من { إِذْ } المضافة إليه، واعترض بأن زمن الاختصام قبل زمن البشارة بمدة ـ فلا تصح هذه البدلية والتزام أنه بدل غلط ـ غلط إذ لا يقع في فصيح الكلام، وأجيب بأنه يعتبر زمان ممتد يقع الاختصام في بعضه والبشارة في بعض آخر وبهذا الاعتبار يصح أن يقال: إنهما في زمان واحد كما يقال وقع القتال والصلح في سنة واحدة مع أن القتال واقع في أولها مثلاً والصلح في آخرها، قيل: ولا يحتاج إلى هذا على الاحتمال الثاني مما ذكره أبو البقاء بناءاً على ما روي عن الحسن أنها عليها السلام كانت عاقلة في حال الصغر فيحتمل أنها وردت عليها البشرى إذ ذاك، وفيه بعد بل الآثار ناطقة بخلافه.

{ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } كلمة ـ من ـ لابتداء الغاية مجازاً وهي متعلقة بمحذوف وقع صفة ـ لكلمة ـ وإطلاق الكلمة على من أطلقت عليه باعتبار أنه خلق من غير واسطة أب بل بواسطة كن فقط على خلاف أفراد بني آدم فكان تأثير الكلمة في حقه أظهر وأكمل فهو كقولك لمن غلب عليه الجود مثلاً: محض الجود ـ وعلى ذلك أكثر المفسرين ـ وأيدوا ذلك بقوله تعالى:إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران: 59]، وقيل: أطلق عليه ذلك لأن الله تعالى بشر به في الكتب السالفة، ففي «التوراة» ـ في الفصل العشرين من السفر الخامس ـ أقبل الله تعالى من سينا وتجلى من ساعير وظهر من جبال فاران ـ وسينا ـ جبل التجلي لموسى ـ وساعير ـ جبل بيت المقدس وكان عيسى يتعبد فيه ـ وفاران ـ جبل مكة، وكان متحنث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهذا كقول من يخبر بالأمر إذا خرج موافقاً لما أخبر به: قد جاء كلامي، وقيل: لأن الله تعالى يهدي به كما يهدي بكلمته.

السابقالتالي
2 3 4 5