الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ }

{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } تتمة لشرح أحكام اصطفاء آل عمران، ووقعت قصة زكريا، ويحيـى عليهما السلام في البين لما فيها مما يؤكد ذلك الاصطفاء، و { إِذْ } في المشهور منصوب بالذكر، والجملة معطوفة على الجملة السابقة عطف القصة على القصة وبينهما كمال المناسبة لأن تلك مسوقة أولاً وبالذات لشرح حال الأم وهذه لشرح حال البنت، والمراد من الملائكة رئيسهم جبريل عليه السلام، والكلام هنا كالكلام فيما تقدم، وجوز أبو البقاء كون الظرف معطوفاً على الظرف السابق وناصبه ناصبه والأول أولى، والمراد: اذكر أيضاً من شواهد اصطفاء أولئك الكرام وقت قول الملائكة عليهم السلام { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ } أي اختارك من أول الأمر ولطف بك وميزك على كل محرر وخصك بالكرامات السنية، والتأكيد اعتناءاً بشأن الخبر وقول الملائكة لها ذلك كان شفاها على ما دلت عليه الأخبار ونطقت به الظواهر، وفي بعض الآثار ما يقتضي تكرر هذا القول من الملائكة لها، فقد أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق أنه قال: كانت مريم حبيساً في الكنيسة ومعها فيها غلام اسمه يوسف وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيراً حبيساً فكانا في الكنيسة جميعاً وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المغارة التي فيها الماء فيملآن ثم يرجعان والملائكة في ذلك مقبلة على مريم بالبشارة { يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ } الآية فإذا سمع ذلك زكريا عليه السلام قال: إن لابنة عمران لشأناً، وقيل: إن الملائكة عليهم السلام ألهموها ذلك، ولا يخفى أن تفسير القول بالإلهام وإسناده للملائكة خلاف الظاهر وإن كان لا منع من أن يكون بواسطتهم أيضاً على أنه قول لا يعضده خبر أصلاً، وعلى القول الأول يكون التكليم من باب الكرامة التي يمنّ بها الله سبحانه على خواص عباده، ومن أنكرها زعم أن ذلك إرهاص وتأسيس لنبوة عيسى عليه السلام أو معجزة لزكريا عليه السلام، وأورد على الأول أن الإرهاص في المشهور أن يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة كإظلال الغمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم الحجر معه، وهذا بظاهره يقتضي وقوع الخارق على يد النبـي لكن قبل أن ينبأ لا على يد غيره كما فيما نحن فيه، ويمكن أن يدفع بالعناية؛ وأورد على الثاني بأنه بعيد جداً إذ لم يقع الكلام مع زكريا عليه السلام ولم يقترن ذلك بالتحدي أيضاً فكيف يكون معجزة له.

واستدل بهذه الآية من ذهب إلى نبوة مريم لأن تكليم الملائكة يقتضيها، ومنعه اللقاني بأن الملائكة قد كلموا من ليس بنبـي إجماعاً فقد روي أنهم كلموا رجلاً خرج لزيارة أخ له في الله تعالى وأخبروه أن الله سبحانه يحبه كحبه لأخبه فيه ولم يقل أحد بنبوته، وادعى أن من توهم أن النبوة مجرد الوحي ومكالمة الملك فقد حاد عن الصواب.

السابقالتالي
2 3 4