الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } من النفوس المكلفة. { مَّا عَمِلَتْ } في الدنيا { مّنْ خَيْرٍ } وإن كان مثقال ذرة { مُّحْضَرًا } لديها مشاهداً في الصحف، وقيل: ظاهراً في صور، وقيل: تجد جزاء أعمالها محضراً بأمر الله تعالى، وفيه من التهويل ما ليس في ـ حاضراً ـ وهو مفعول ثان لتجد { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء } عطف على { مَّا عَمِلَتْ } و { مُّحْضَرًا } محضر فيه معنى إلا أنه خص بالذكر في ـ الخير ـ للإشعار بكون الخير مراداً بالذات وكون إحضار الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية ـ كما قال شيخ الإسلام ـ وتقدير { مُّحْضَرًا } في النظم وحذفه للاقتصار بقرينة ذكره في الأول مما قاله الأكثرون ويكون من العطف على المفعولين وهو جائز ـ كما في «الدر المصون» ـ ولم يجعلوه من قبيل ـ علمت زيداً فاضلاً وعمراً ـ وهو ليس من باب الاقتصار على المفعول الأول بل من قبيل ـ زيد قائم وعمرو ـ وهو مما حذف فيه الخبر كما صرحوا به فيلزم الاقتصار ضرورة، والفرق بين المبتدأ والمفعول في هذا الباب وهم، ولك أن تجعل { تَجِدُ } بمعنى تصيب فيتعدى لواحد، و { مُّحْضَرًا } حال { تَوَدُّ } أي تتمنى وهو عامل في الظرف أي تتمنى يوم ذلك. { لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ } أي بين ذلك اليوم { أَمَدَا بَعِيدًا } وقيل: الضمير ـ لما عملت ـ لقربه ولأن اليوم أحضر فيه الخير والشر والمتمني بعد الشر لا ما فيه مطلقاً فلا يحسن إرجاع الضمير ـ اليوم ـ وإلى ذلك ذهب في «البحر»،/ ورد بأنه أبلغ لأنه يودّ البعد بينه وبين اليوم مع ما فيه من الخير لئلا يرى ما فيه من السوء.

و ـ الأمد ـ غاية الشيء ومنتهاه، والفرق بينه وبين الأبد أن الأبد مدة من الزمان غير محدودة، والأمد مدة لها حد مجهول والمراد هنا الغاية الطويلة، وقيل: مقدار العمر، وقيل: قدر ما يذهب به من المشرق إلى المغرب، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالأمد البعيد المسافة البعيدة ـ ولعله الأظهر ـ، فالتمني هنا من قبيل التمني في قوله تعالى:يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } [الزخرف: 38] وهذا الذي ذكر في نظم الآية هو ما ذهب إليه كثير من أئمة التفسير، وقال أبو حيان: إنه الظاهر في بادىء الرأي مبني على أمر اختلف النحاة في جوازه وهو كون الفاعل ضميراً عائداً على ما اتصل به معمول الفعل المتقدم نحو غلام هند ضربت هي، والآية من هذا القبيل على ذلك التخريج لأن الفاعل بيودّ عائد على شيء اتصل بمعمول ـ يودّ ـ وهو يوم لأنه مضاف إلى { تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } ، والتقدير: تودّ كل نفس يوم وجدانها ما عملت من خير وشر محضراً لو أن بينها الخ؛ وجمهور البصريين على جواز ذلك وهو الصحيح، ومنه قوله:

السابقالتالي
2 3 4