الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }

{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } في موضع جرّ على أنه نعتلأولي } [آل عمران: 190] ويجوز أن يكون في موضع رفع أو نصب على المدح، وجعله مبتدأ والخبر محذوف تقديره يقولون: ربنا آمنا بعيد لما فيه من تفكيك / النظم، ويزيده بعداً ما أخرجه الأصبهاني في «الترغيب» عن أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينادي مناد يوم القيامة أين أولو الألباب؟ قالوا: أي أولي الألباب تريد؟ قال: { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً } الخ عقد لهم لواء فاتبع القوم لواءهم وقال لهم ادخلوها خالدين " والظاهر أن المراد من الذكر الذكر باللسان لكن مع حضور القلب إذ لا تمدح بالذكر بدونه بل أجمعوا على أنه لا ثواب لذاكر غافل، وإليه ذهب كثير، وعدّ ابن جريج قراءة القرآن ذكراً فلا تكره للمضطجع القادر، نعم نص بعض الشافعية على كراهتها له إذا غطى رأسه للنوم، وقال بعض المحققين: المراد به ذكره تعالى مطلقاً سواء كان ذلك من حيث الذات أو من حيث الصفات والأفعال، وسواء قارنه ذكر اللسان أو لا، والمعنى عليه الذين لا يغفلون عنه تعالى في عامة أوقاتهم باطمئنان قلوبهم بذكره واستغراق سرائرهم في مراقبته، وعليه فيحمل ما حكي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وعروة بن الزبير، وجماعة رضي الله تعالى عنهم من أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله تعالى فقال بعضهم: أما قال الله تعالى: { يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً } فقاموا يذكرون الله تعالى على أقدامهم على أن مرادهم بذلك التبرك بنوع موافقة للآية في ضمن فرد من أفراد مدلولها وليس مرادهم به تفسيرها وتحقيق مصداقها على التعيين وإلا لاضطجعوا وذكروا أيضاً ليتم التفسير وتحقيق المصداق.

وأخرج ابن أبـي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في الآية أنه قال: إنما هذا في الصلاة إذا لم تستطع قائماً فقاعداً وإن لم تستطع قاعداً فعلى جنب، وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين، وكانت به بواسير ـ كما أخرجه البخاري عنه ـ وبهذا الخبر احتج الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه على أن المريض يصلي مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبلاً بمقادم بدنه ولا يجوز له أن يستلقي على ظهره على ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه، وجعل الآية حجة على ذلك بناءاً على أنه لما حصر أمر الذاكر في الهيئات المذكورة دل على أن غيرها ليس من هيئته والصلاة مشتملة على الذكر فلا ينبغي أن تكون على غير هيئته محل تأمل، وتخصيص ابن مسعود الذكر بالصلاة لا ينتهض حجة على أنه بعيد من سياق النظم الجليل وسباقه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6