الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } تقرير لما قبله حيث أفاد أن لله وحده السلطان القاهر في جميع العالم يتصرف فيه كيفما يشاء ويختار إيجاداً وإعداماً إحياءاً وإماتة تعذيباً وإثابة، ومن هو كذلك فهو مالك أمرهم لا راد له عما أراد بهم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } تقرير إثر تقرير والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة مع الإشعار بمناط الحكم فإن شمول القدرة لجميع الأشياء من أحكام الألوهية والرمز إلى استقلال كل من الجملتين بالتقرير، وقيل: مجموع الجملتين مسوق لرد قول اليهود السابقإِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } [آل عمران: 181] وضعف بالبعد ـ ولو قيل ـ وفيه ردّ لهان الأمر.

هذا ومن باب الإشارة في الآيات: { وَلاَ يَحْزُنكَ } لتوقع الضرر، أو لشدة الغيرة { ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } لحجابهم الأصلي وظلمتهم الذاتية { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } فإن ساحة الكبرياء مقدسة عن هجوم ظلال الضلال، أو المراد لن يضروك أيها المظهر الأعظم إلا أنه تعالى أقام نفسه تعالى مقام نفسه صلى الله عليه وسلم، وفي الآية إشارة إلى الفرق والجمع { يُرِيدُ ٱللَّهُ } إظهاراً لصفة قهرهألا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى ٱلأَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 176] لعظم حجابهم ونظرهم إلى الأغيار { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ } وأخذوه { بِٱلإِيمَانِ } بدله لقبح استعدادهم وسوء اختيارهم الغير المجعول { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } ولكن يضرون أنفسهم لحرمانها تجلي الجمالوَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 177] لكونهم غدوا بذلك مظهر الجلال { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } ونزيد في مددهم { خَيْرٌ لأَِنفُسِهِمْ } ينتفعون به في القرب إلينا { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } بسبب ذلك لازديادهم حجاباً على حجاب وبعداً على بعدوَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [آل عمران: 178] لفرط بعدهم عن منبع العز { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } من ظاهر الإسلام وتصديق اللسان { حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ } من صفات النفس وحظوظ الشيطان ودواعي الهوى { مِنَ ٱلطَّيّبِ } وهو صفات القلب كالإخلاص، واليقين، والمكاشفة، ومشاهدة الروح، ومناغاة السر ومسامراته، وذلك بوقوع الفتن والمصائب بينكم { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ } أي غيب وجودكم من الحقائق الكامنة فيكم بلا واسطة الرسول للبعد وعدم المناسبة وانتفاء استعداد التلقي منه سبحانه { وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء } فيطلعه على ذلك ويهديكم إلى ما غاب عنكم من كنوز وجودكم وأسراره للجنسية التي بينكم وبينه { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } بالتصديق والتمسك بالشريعة ليمكنكم التلقي منهم { وَإِن تُؤْمِنُواْ } بعد ذلك الإيمان الحقيقي الحاصل بالسلوك والمتابعة في الطريقة { وَتَتَّقُواْ } الحجب والموانعفَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 179] من كشف الحقيقة، وقد يقال: إن لله تعالى غيوباً، غيب الظاهر، وغيب الباطن وغيب الغيب، وسر الغيب، وغيب السر، فغيب الظاهر هو ما أخبر به سبحانه عن أمر الآخرة، وغيب الباطن هو غيب المقدورات المكنونة عن قلوب الأغيار، وغيب الغيب هو سر الصفات في الأفعال، وسر الغيب هو نور الذات في الصفة، وغيب السر هو غيب القدم وسر الحقيقة والإطلاع بالواسطة على ما عدا الأخير واقع للسالكين على حسب مراتبهم، وأما الاطلاع على الأخير فغير واقع لأحد أصلاً فإن الأزلية منزهة عن الإدراك وخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك المعنى رؤيته بنعت الكشف له وابتسام صباح الأزل في وجهه لا بنعت الإحاطة والإدراك { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من المال، أو العلم، أو القدرة، أو النفس فلا ينفقونه في سبيل الله على المستحقين، أو المستعدين، أو الأنبياء، والصديقين في الذب عنهم، أو في الفناء في الله تعالى { هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } لاحتجابهم به { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ويلزمون وباله ويبقى ذلك حسرة في قلوبهم عند هلاكهم على ما يشير قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4