الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

{ لَتُبْلَوُنَّ } جواب قسم محذوف أي والله لتختبرن، والمراد لتعاملن معاملة المختبر ليظهر ما عندكم من الثبات على الحق والأفعال الحسنة ولا يصح حمل الابتلاء على حقيقته لأنه محال على علام الغيوب كما مر، والخطاب للمؤمنين أو لهم معه صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبرهم سبحانه بما سيقع ليوطنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه ويستعدوا للقائه ويقابلوه بحسن الصبر والثبات فإن هجوم البلاء مما يزيد في اللأواء والاستعداد للكرب مما يهون الخطب ولتحقيق معنى الابتلاء لهذا التهوين أتى بالتأكيد، وقد يقال: أتى به لتحقيق وقوع المبتلى به مبالغة في الحث على ما أريد منهم من التهيؤ والاستعداد، وعلى أي وجه فالجملة مسوقة لتسلية أولياء الله تعالى عما سيلقونه من جهة أعدائه سبحانه إثر تسليتهم عما وقع منهم، وقيل: إنما سيقت لبيان أن الدنيا دار محنة وابتلاء، وأنها إنما زويت عن المؤمنين ليصبروا فيؤجروا إثر بيان أنها متاع الغرور، ولعل الأول أولى كما لا يخفى، والواو المضمومة ضمير الرفع ولام الكلمة محذوفة لعلة تصريفية، وإنما حركت هذه الواو دفعاً للثقل الحاصل من التقاء الساكنين وكان ذلك بالضم ليدل على المحذوف في الجملة ولم تقلب الواو ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها لعروض ذلك.

{ فِى أَمْوٰلِكُمْ } بالفرائض فيها والجوائح، واقتصر بعض على الثاني مدعياً أن الأول الممثل في كلامهم بالإنفاق المأمور به في سبيل الله تعالى، والزكاة لا يليق نظمه في سلك الابتلاء لما أنه من باب الإضعاف لا من قبيل الإتلاف، وفيه نظر تقدم في البقرة الإشارة إليه، وعن الحسن الاقتصار على الأول. والأولى القول بالعموم { وَ } في { أَنفُسِكُـمْ } بالقتل والجراح والأسر والأمراض وفقد الأقارب وسائر ما يرد عليها من أصناف المتاعب والمخاوف والشدائد، وقدم الأموال على الأنفس للترقي إلى الأشرف. أو لأن الرزايا في الأموال أكثر من الرزايا في الأنفس.

{ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } أي من قبل إيتائكم القرآن وهم اليهود والنصارى. والتعبير عنهم بذلك إما للإشعار بمدار الشقاق والإيذان بأن [بعض] ما يسمعونه منهم مستند على زعمهم إلى الكتاب. وإما للإشارة إلى عظم صدور ذلك المسموع منهم. وشدة وقعه على الأسماع حيث إنه كلام صدر ممن لا يتوقع صدوره منه لوجود زاجر عنه معه وهو إيتاؤه الكتاب كما قيل: والتصريح بالقبلية إما لتأكيد الإشعار وتقوية المدار وإما للمبالغة في أمر الزاجر عن صدور ذلك المسموع من أولئك المسمعين { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } وهم كفار العرب { أَذًى كَثِيراً } كالطعن في الدين وتخطئة من آمن والافتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والتشبيب بنساء المؤمنين.

السابقالتالي
2 3