الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبـي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر رضي الله تعالى عنه بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ـ وكان من علمائهم وأحبارهم ـ فقال أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله تعالى وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله تعالى من فقر وإنه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما تضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء ولو كان غنياً عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم وأنه ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنياً عنا ما أعطانا الربا فغضب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله تعالى فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر ما صنع صاحبك بـي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبـي بكر رضي الله تعالى عنه: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله قال قولاً عظيماً يزعم أن الله تعالى شأنه فقير وهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله تعالى / مما قال فضربت وجهه فجحد فنحاص فقال: ما قلت ذلك فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص تصديقاً لأبـي بكر رضي الله تعالى عنه هذه الآية، وأنزل في أبـي بكر وما بلغه في ذلك من الغضبوَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } [آل عمران: 186] الآية.

وأخرج ابن المنذر عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أنها نزلت في حيـي بن أخطب لما أنزل الله تعالى:مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [البقرة: 245] قال: يستقرضنا ربنا إنما يستقرض الفقير الغني. وأخرج الضياء وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله تعالى: { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } فقالوا: يا محمد فقير ربك يسأل عباده القرض؟ فأنزل الله تعالى الآية، والجمع على الروايتين الأوليين مع كون القائل واحداً لرضا الباقين بذلك، وتخصيص هذا القول بالسماع مع أنه تعالى سميع لجميع المسموعات كناية تلويحية عن الوعيد لأن السماع لازم العلم بالمسموع وهو لازم الوعيد في هذا المقام فهو سماع ظهور وتهديد لا سماع قبول ورضا ـ كما في سمع الله لمن حمده ـ وإنما عبر عن ذلك بالسماع للإيذان بأنه من الشناعة والسماجة بحيث لا يرضى قائله بأن يسمعه سامع ولهذا أنكروه، ولكون إنكارهم القول بمنزلة إنكار السمع أكده تعالى بالتأكيد القسمي، وفيه أيضاً من التشديد في التهديد والمبالغة في الوعيد ما لا يخفى، والعامل في موضع إن وما عملت فيه قالوا: فهي المحكية به، وجوز أن يكون ذلك معمولاً لقول المضاف لأنه مصدر، قال أبو البقاء: وهذا يخرج على قول الكوفيين في إعمال الأول وهو أصل ضعيف ويزداد هنا ضعفاً بأن الثاني فعل، والأول مصدر وإعمال الفعل لكونه أقوى أولى.

السابقالتالي
2