الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه إليه تشريفاً له بالتسلية مع الإيذان بأنه الرئيس المعتنى بشؤونه. والمراد من الموصول إما المنافقون المتخلفون ـ وإليه ذهب مجاهد وابن إسحق ـ وإما قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام لمقاربة عبدة الأوثان ـ وإليه ذهب أبو علي الجبائي ـ وإما سائر الكفار ـ وإليه ذهب الحسن ـ وإما المنافقون وطائفة من اليهود حسبما عين في قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } [المائدة: 41] ـ وإليه ذهب بعضهم ـ ومعنى: { يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } يقعون فيه سريعاً لغاية حرصهم عليه وشدة رغبتهم فيه، ولتضمن المسارعة معنى الوقوع تعدت بفي دون إلى الشائع تعديتها بها كما فيسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ } [آل عمران: 133] وغيره، وأوثر ذلك قيل: للإشعار باستقرارهم في الكفر ودوام ملابستهم له في مبدأ المسارعة ومنتهاها كما في قوله سبحانه:يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } [الأنبياء: 90] في حق المؤمنين، وأما إيثار كلمة إلى في آيتها فلأن المغفرة والجنة منتهى المسارعة وغايتها والموصول فاعل { يَحْزُنكَ } وليست الصلة علة لعدم الحزن كما هو المعهود في مثله لأن الحزن من الوقوع في الكفر هو الأمر اللائق لأنه قبيح عند الله تعالى يجب أن يحزن من مشاهدته فلا يصح النهي عن الحزن من ذلك، بل العلة هنا / ما يترتب على تلك المسارعة من مراغمة المؤمنين وإيصال المضرة إليهم إلا أنه عبر بذلك مبالغة في النهي. والمراد لا يحزنك خوف أن يضروك ويعينوا عليك، ويدل على ذلك إيلاء قوله تعالى:

{ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } رداً وإنكاراً لظن الخوف، والكلام على حذف مضاف، والمراد أولياء الله مثلاً للقرينة العقلية عليه، وفي حذف ذلك وتعليق نفي الضرر به تعالى تشريف للمؤمنين وإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه وتعالى، وفي ذلك مزيد مبالغة في التسلية، و { شَيْئاً } في موضع المصدر أي لن يضروه ضرراً ما، وقيل: مفعول بواسطة حرف الجر أي لن يضروه بشيء ما أصلاً، وتأويل يضروا بما يتعدى بنفسه إلى مفعولين مما لا داعي إليه، ولعل المقام يدعو إلى خلافه، وقرأ نافع ـ يحزن ـ بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن إلا قوله تعالى:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] فإنه فتحها وضم الزاي، وقرأ الباقون كما قرأ نافع في المستثنى. وقرأ أبو جعفر عكس ما قرأ نافع، والماضي على قراءة الفتح من حزن، وعلى قراءة الضم من أحزن، ومعناهما واحد إلا أن حزن لغة قليلة، وقيل: حزنته بمعنى أحدثت له حزناً، وأحزنته بمعنى عرضته للحزن، وقال الخليل: حزنته بمعنى جعلت فيه حزناً كدهنته بمعنى جعلت فيه دهناً، وأحزنته بمعنى جعلته حزيناً.

السابقالتالي
2