الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً } أخرج الإمام أحمد وجماعة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا " وفي لفظ " قالوا من يبلغ إخواننا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم " فأنزل هؤلاء الآيات.

وأخرج الترمذي وحسنه. والحاكم وصححه، وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا جابر مالي أراك منكسراً فقلت يا رسول الله استشهد أبـي وترك عيالاً وديناً فقال: ألا أبشرك بما لقي الله تعالى به أباك؟ قلت: بلى قال: ما كلم الله تعالى أحداً قط إلا من وراء حجاب وأحيا أباك فكلمه كفاحاً وقال: يا عبدي تمن عليَّ أعطك قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال الرب تعالى: قد سبق مني أنهم لا يرجعون قال: أي ربـي فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى هذه الآية " ولا تنافي بين الروايتين لجواز أن يكون كلا الأمرين قد وقع، وأنزل الله تعالى الآية لهما والأخبار متضافرة على نزولها في شهداء أحد، وفي رواية ابن المنذر عن إسحق ابن أبـي طلحة قال: حدثني أنس في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم النبـي عليه الصلاة والسلام إلى بئر معونة وساق الحديث بطوله ـ إلى أن قال ـ وحدثني أن الله تعالى أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناه زماناً، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } الخ. ومن هنا قيل: إن الآية نزلت فيهم، وأنت تعلم أن الخبر ليس نصاً في ذلك، وزعم بعضهم أنها نزلت في شهداء بدر، وادعى العلامة السيوطي أن ذلك غلط، وأن آية البقرة هي النازلة فيهم، وهي كلام مستأنف مسوق إثر بيان أن الحذر لا يسمن ولا يغني لبيان أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون منه ليس مما يحذر بل هو من أجل المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يقف على الخطاب مطلقاً. وقيل: من المنافقين الذين قالوا:لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا } [آل عمران: 168] وإنما عبر عن اعتقادهم بالظن لعدم الاعتداد به، وقرىء ـ يحسبن ـ بالياء التحتانية على الإسناد إلى ضمير النبـي صلى الله عليه وسلم، أو ضمير من يحسب على طرز ما ذكر في الخطاب، وقيل: إلى الذين قتلوا والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة أي ـ ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً ـ.

السابقالتالي
2 3