الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

{ ٱلَّذِينَ قَالُواْ } مرفوع على أنه بدل من واويَكْتُمُونَ } [آل عمران: 167] كأنه قيل: والله أعلم بما يكتم الذين قالوا، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم الذين، وقيل: مبتدأ خبره قل فادرءوا بحذف العائد أي قل لهم الخ، أو منصوب على الذم أو على أنه نعت للذين نافقوا، أو بدل منه، أو مجرور على أنه بدل من ضمير أفواههم، أو قلوبهم، وجاء إبدال المظهر من ضمير الغيبة في كلامهم، ومنه قول الفرزدق:
على حالة لو أن في القوم حاتماً   على جوده لضن بالماء حاتم
بجر حاتم بدلاً من ضمير جوده لأن القوافي مجرورة. والمعنى يقولون بأفواه الذين قالوا، أو يقولون بأفواههم ما ليس في قلوب الذين قالوا، والكلام على الوجهين من باب التجريد كقوله:
يا خير من يركب المطي ولا   يشرب كأساً من كف من بخلا
والقائل كما قال السدي وغيره هو عبد الله بن أبـيّ وأصحابه، وقد قالوا ذلك في يوم أحد { لإِخْوٰنِهِمْ } أي لأجل إخوانهم الذين خرجوا مع النبـي صلى الله عليه وسلم وقتلوا في ذلك اليوم، والمراد لذوي قرابتهم أو لمن هو من جنسهم { وَقَعَدُواْ } حال من ضمير قالوا وقد مرادة أي قالوا وقد قعدوا عن القتال بالانخذال، وجوز أن يكون معطوفاً على الصلة فيكون معترضاً بين قالوا ومعمولها وهو قوله تعالى: { لَوْ أَطَاعُونَا } أي في ترك القتال { مَا قُتِلُوا } كما لم نقتل وفيه إيذان بأنهم أمروهم بالانخذال حين انخذلوا، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن جرير عن السدي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صبروا فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبـيّ في ثلثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فلما غلبوه وقالوا له:لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } [آل عمران: 167] قالوا له: ولئن أطعتنا لترجعن معنا فذكر الله تعالى نعي قولهم لئن أطعتنا لترجعن معنا بقوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } الخ، وبعضهم حمل القعود على ما استصوبه ابن أبـيّ عند المشاورة من المقاومة بالمدينة ابتداءاً وجعل الإطاعة عبارة عن قبول رأيه والعمل به ـ ولا يخلو عن شيء ـ بل قال مولانا شيخ الإسلام: يرده كون الجملة حالية فإنها لتعيين ما فيه العصيان والمخالفة مع أن ابن أبـيّ ليس من القاعدين فيها بذلك المعنى على أن تخصيص عدم الطاعة بإخوانهم ينادي باختصاص الأمر أيضاً بهم فيستحيل أن يحمل على ما خوطب به النبـي صلى الله عليه وسلم عند المشاورة.

{ قُلْ } يا محمد تبكيتاً لهم وإظهاراً لكذبهم. { فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ } أي فادفعوا عنها ذلك وهو جواب لشرط قد حذف لدلالة قوله تعالى: { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } عليه كما أنه شرط حذف جوابه لدلالة { فَادْرَءوا } عليه، ومن جوز تقدم الجواب لم يحتج لما ذكر؛ ومتعلق الصدق هو ما تضمنه قولهم من أن سبب نجاتهم القعود عن القتال، والمراد أن ما ادعيتموه سبب النجاة ليس بمستقيم ولو فرض استقامته فليس بمفيد، أما الأول: فلأن أسباب النجاة كثيرة غايته أن القعود / والنجاة وجدا معاً وهو لا يدل على السببية، وأما الثاني: فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد أسبابه فإن صح ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه فإن أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء، وأنفسكم أعز عليكم وأمرها أهمّ لديكم، وقيل: متعلق الصدق ما صرح به من قولهم: { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } والمعنى أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين، وحينئذ يكون { فَادْرَءوا } الخ استهزاءاً بهم أي إن كنتم رجالاً دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا كما درأتم بزعمكم هذا السبب الخاص، وفي «الكشاف» «روي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة منهم سبعون منافقاً» بعدد من قتل بأحد.