الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَمَا أَصَـٰبَكُمْ } أيها المؤمنون من النكبة بقتل من قتل منكم { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } أي جمعكم وجمع أعدائكم المشركين، والمراد بذلك اليوم يوم أحد، وقول بعضهم ـ لا يبعد أن يراد به يوم أحد ويوم بدر ـ بعيد جداً { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي بإرادته، وقيل: بتخليته؛ وما اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع بالابتداء، وجملة أصابكم صلته ـ وبإذن الله ـ خبره. والمراد بإذن الله يكون ويحصل، ودخول الفاء لتضمن معنى الشرط، ووجه السببية ليس بظاهر إذ الإصابة ليست سبباً للإرادة ولا للتخلية بل الأمر بالعكس فهو من قبيلوَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل: 53] أي ذلك سبب للإخبار بكونه من الله لأن قيد الأوامر قد يكون للمطلوب وقد يكون للطالب وكذا الإخبار، وإلى هذا ذهب كثير من المحققين، وادعى السمين أن في الكلام إضماراً أي فهو بإذن الله، ودخول الفاء لما تقدم ثم قال: وهذا مشكل على ما قرره الجمهور لأنه لا يجوز عندهم دخول هذه الفاء زائدة في الخبر إلا بشروط، منها أن تكون الصلة مستقبلة في المعنى وذلك لأن الفاء إنما دخلت للشبه بالشرط، والشرط إنما يكون في الاستقبال لا في الماضي، فلو قلت: الذي أتاني أمس فله درهم لم يصح، وأصابكم هنا ماض معنى كما أنه ماض لفظاً لأن القصة ماضية فكيف جاز دخول هذه الفاء؟ وأجابوا عنه بأنه يحمل على التبين أي وما يتبين إصابته إياكم فهو بإذن الله كما تأولواإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } [يوسف: 27] بذلك، ثم قال: وإذا صح هذا التأويل فليجعل { مَا } هنا شرطاً صريحاً وتكون الفاء داخلة وجوباً لكونها واقعة جواباً للشرط انتهى، ولا يخفى ما فيه { وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } عطف على بإذن الله ـ من عطف السبب على المسبب، والمراد ليظهر للناس ويثبت لديهم إيمان المؤمن.