الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمَّآ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

وقوله تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } كلام مبتدأ مسوق لإبطال بعض ما نشأ من الظنون الفاسدة إثر إبطال بعض آخر، والهمزة للتقريع والتقرير، والواو عاطفة لمدخولها على محذوف قبلها، ولما ظرف بمعنى حين مضافة إلى ما بعدها مستعملة في الشرط ـ كما ذهب إليه الفارسي ـ وهو الصحيح عند جمع من المحققين وناصبها قلتم وهو الجزاء وقد أصبتم في محل الرفع على أنه صفة ـ لمصيبة ـ وجعله في محل نصب على الحال يحتاج إلى تكلف مستغنى عنه، والمراد بالمصيبة ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم ـ وبمثليها ـ ما أصاب المشركين يوم بدر من قتل سبعين منهم وأسر سبعين، وجعل ذلك مثلين بجعل الأسر كالقتل أو لأنهم كانوا قادرين على القتل وكان مرضي الله تعالى فعدمه كان من عندهم فتركه مع القدرة لا ينافي الإصابة.

وقيل: المراد بالمثلين المثلان في الهزيمة لا في عدد القتلى وذلك لأن المسلمين هزموا الكفار يوم بدر وهزموهم أيضاً يوم أحد أول الأمر، وعليه يكون المراد بالمصيبة هزيمة الكفار للمسلمين بعد أن فارقوا المركز، و { أَنَّىٰ هَـٰذَا } جملة اسمية مقدمة الخبر، والمعنى من أين هذا لا كيف هذا لدلالة الجواب مفعول القول، وقيل: أنى منصوبة على الظرفية ـ لأصابنا ـ المقدر، وهذا فاعل له، والجملة مقول قلتم، وتوسيط الظرف وما يتعلق به بينه وبين الهمزة مع أنه المقصود إنكاره والمعطوف بالواو حقيقة لتأكيد النكير وتشديد التقريع فإن فعل القبيح في غير وقته أقبح والإنكار على فاعله أدخل، والمعنى أحين نالكم من المشركين نصف ما قد نالهم منكم قبل ذلك جزعتم وقلتم من أين هذا ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله تعالى وفينا رسوله، وهؤلاء مشركون أعداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أوَ قد وعدنا الله تعالى النصر؟ ـ وإليه ذهب الجبائي ـ وهذا على تقدير توجيه الإنكار والتقريع إلى صدور ذلك القول عنهم في ذلك الوقت خاصة بناءاً على عدم كونه مظنة له داعياً إليه بل على كونه داعياً إلى عدمه فإن كون مصيبة عدوهم مثلي مصيبتهم ما يهوّن الخطب ويورث السلوة، أو أفعلتم ما فعلتم من الفشل والتنازع أو الخروج من المدينة والإلحاح على النبـي صلى الله عليه وسلم، ولما أصابتكم غائلة ذلك قلتم أنى هذا وهذا على تقدير توجيه الإنكار لاستبعادهم الحادثة مع مباشرتهم لسببها، وجوز أن يكون المعطوف عليه القول إشارة إلى أن قولهم كان غير واحد بل قالوا أقوالاً لا ينبغي أن يقولوها.

وذهب جماعة إلى أن المعطوف عليه ما مضى من قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4