الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

{ وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ } أي ما صح ولا استقام لنبـي من الأنبياء أن يخون في المغنم لأن الخيانة تنافي النبوة وأصل الغل الأخذ بخفية ولذا استعمل في السرقة ثم خص في اللغة بالسرقة من المغنم قبل القسمة وتسمى غلولاً أيضاً، قيل: وسميت بذلك لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غل وهي الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: جامعة أيضاً، وقال الرماني وغيره أصل الغلول من الغلل وهو دخول الماء في خلل الشجر، وسميت الخيانة غلولاً لأنها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الذي يحل، ومن ذلك الغل للحقد والغليل لحرارة العطش والغلالة للشغار، والمراد تنزيه ساحة النبـي صلى الله عليه وسلم على أبلغ وجه عما ظن به الرماة يوم أحد فقد حكى الواحدي عن الكلبـي ومقاتل " أن الرماة حين تركوا المركز يومئذٍ طلباً للغنيمة قالوا: نخشى أن يقول النبـي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: «ظننتم أنا نغلّ ولا نقسم لكم» " ولهذا نزلت الآية، أو تنزيهه صلى الله عليه وسلم عما اتهمه به بعض المنافقين يوم بدر، فقد أخرج أبو داود والترمذي وابن جرير وحسناه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، والرواية الأولى: أوفق بالمقام، وارتباط الآية بما قبلها عليها أتم لأن القصة أحدية إلا أن فيها إشعاراً بأن غنائم بدر لم تقسم وهو مخالف لما سيأتي في الأنفال وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه، والرواية الثانية: أولى بالقبول عند أرباب هذا الشأن، ويحتمل أن يكون المراد المبالغة في النهي عن الغلول، فقد أخرج ابن أبـي شيبة في «المصنف» وابن جرير مرسلاً عن الضحاك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبـي صلى الله عليه وسلم غنيمة فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً فلما قدمت الطلائع قالوا قسم النبـي صلى الله عليه وسلم ولم يقسم لنا فأنزل الله تعالى الآية، فالمعنى ما كان لنبـي أن يعطي قوماً من العسكر ويمنع آخرين بل عليه أن يقسم بين الكل بالسوية، وعبر سبحانه عن حرمان بعض الغزاة بالغلول فطماً عن هذا الفعل بالكلية، أو تعظيماً لشأنه صلى الله عليه وسلم، وجعل بعضهم الكلام على هذا الاحتمال على حدّلَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65] خوطب به صلى الله عليه وسلم وأريد غيره ممن يفعل مثل هذا بعد النهي عنه ـ ولا يخفى بعده ـ والصيغة على الاحتمال الأول: إخبار لفظاً ومعنى لكنها لا تخلو عن رمز إلى نهي عن اعتقاد ذلك في تلك الحضرة المقدسة وعلى الاحتمال الأخير: خبر أجري مجرى الطلب، وقد وردت هذه الصيغة نهياً في مواضع من التنزيل كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4