الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم والفاء لترتيب مضمون الكلام على ما ينبـىء عنه السياق من استحقاق الفارّين الملامة والتعنيف منه صلى الله عليه وسلم بمقتضى الجبلة البشرية حيث صدروا عنه وحياض الأهوال مترعة وشمروا للهزيمة والحرب قائمة على ساق، أو من سعة فضاء مغفرته ورحمته والباء متعلقة ـ بلنت ـ والتقديم للقصر، ـ وما ـ مزيدة للتأكيد وعليه أجلة المفسرين وهو المأثور عن قتادة، وحكى الزجاج الإجماع عليه وفيه نظر، فقد قال الأخفش وغيره يجوز أن تكون نكرة بمعنى شيء، ورحمة بدل منها، وجوز أن تكون صفة لها، وقيل: إنها استفهامية للتعجب والتقدير فبأي رحمة لنت لهم، والتنوين في رحمة على كل تقدير للتفخيم، و { مِنْ } متعلقة بمحذوف وقع صفة لها أي: فبما رحمة عظيمة كائنة من الله تعالى كنت لين الجانب لهم ولم تعنفهم، ولعل المراد بهذه الرحمة ربطه سبحانه وتعالى على جأشه صلى الله عليه وسلم وتخصيصه له بمكارم الأخلاق، وجعل الرفق ولين الجانب مسبباً عن ربط / الجأش لأن من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة. قيل: وأفاد الكلام في هذا المقام فائدتين: إحداهما: ما يدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم، والثانية: ما يدل على رفقه فهو من باب التكميل، وقد اجتمعت فيه صلى الله عليه وسلم هاتان الصفتان يوم أحد حيث ثبت حتى كر عليه أصحابه مع أنه عراه ما عراه ثم ما زجرهم ولا عنفهم على الفرار بل آساهم في الغم.

{ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً } أي خشن الجانب شرس الأخلاق جافياً في المعاشرة قولاً وفعلاً { غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ } أي قاسيه، وقال الكلبـي: فظاً في الأقوال غليظ القلب في الأفعال. وذكر بعضهم أن الفظ سيء الخلق في الأمور الظاهرة من الأقوال والأفعال، وغليظ القلب السيء في الأمور الباطنة، والثاني: سبب للأول وقدم المسبب لظهوره إذ هو الذي يطلع عليه ويمكن أن يقال المراد لو كنت على خلاف تينك الصفتين المعبر عنهما بالرحمة وهو التهور المشار إليه بالفظاظة وسوء الأخلاق المرموز إليه بغلظ القلب فإن قساوة القلب وعدم تأثره يتبعها كل صفة ذميمة، ولهذا ورد أبعد القلوب عن الله تعالى القلوب القاسية وكأنه لبعده صدّر بيمكن وعلى كل تقدير في الكلام حذف أي ولو كنت فظاً غليظ القلب فلم تلن لهم وأغلظت عليهم { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } أي لتفرقوا عنك ونفروا منك ولم يسكنوا إليك وتردّوا في مهاوي الردى ولم ينتظم أمر ما بعثت به من هدايتهم وإرشادهم إلى الصراط.

{ فَٱعْفُ عَنْهُمْ } مترتب على ما قبله أي إذا كان الأمر كذلك فاعف عنهم فيما يتعلق بحقوقك { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الله تعالى فيما يتعلق بحقوقه سبحانه وتعالى إتماماً للشفقة وإكمالاً للتربية { وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأمْرِ } أي في الحرب أخرجه ابن أبـي حاتم من طريق ابن سيرين عن عبيدة وهو المناسب للمقام، أو فيه وفي أمثاله مما تجري فيه المشاورة عادة، وإليه ذهب جماعة، واختلف في مشاورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله تعالى عنهم في أمر الدين إذا لم يكن هناك وحي فمن أبـى الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عدم جوازها ومن لا يأباه ـ وهو الأصح ـ ذهب إلى جوازها، وفائدتها الاستظهار برأيهم، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبـي بكر وعمر:

السابقالتالي
2 3 4