الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

{ أوْلَـٰكَ } إشارة إلى المذكورين أخيراً باعتبار اتصافهم بما تقدم من الصفات الحميدة، والبعد للإشعار ببعد منزلتهم في الفضل، وإلى هذا ذهب المعظم، وقيل: هو إشارة إلى المذكورين وهم طائفة واحدة، وهو مبتدأ وقوله تعالى: { جَزَآؤُهُمْ } بدل اشتمال منه أو مبتدأ ثان، وقوله تعالى: { مَغْفِرَةٌ } خبر { أُوْلَـٰئِكَ } أو خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول، وهذه الجملة خبروَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ } [آل عمران: 135] الخ على الوجه الأول، وادعى مولانا شيخ الإسلام ((أنه الأظهر الأنسب بنظم المغفرة المنبئة عن سابقة الذنب في سلك الجزاء إذ على الوجهين الأخيرين { أُوْلَـٰئِكَ } الخ جملة مستأنفة مبينة لما قبلها كاشفة عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبين ولم يذكر ما هو من أوصاف الأولين ما فيه شائبة الذنب حتى يذكر في مطلع الجزاء الشامل لهما المغفرة، وتخصيص الإشارة بالأخيرين مع اشتراكهما في حكم إعداد الجنة لهما تعسف ظاهر)) انتهى.

والذي يشعر به ظاهر ما أخرجه ابن جرير عن الحسن أنه قرأ:ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } [آل عمران: 134] الآية ثم قرأوَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } [آل عمران: 135] الآية فقال: إن هذين النعتين لنعت رجل واحد أحد الوجهين الأخيرين اللذين أشار إليهما بل الأول منهما، وتكون هذه الإشارة كما قال صاحب القيل، وهذه المغفرة هي المغفرة التي أمر جميع المؤمنين من له ذنب ومن لا ذنب له منهم بالمسارعة إلى ما يؤدي إليها فلا يضر وقوعها في مطلع الجزاء.

{ مّن رَّبّهِمُ } متعلق بمحذوف وقع صفة للمغفرة مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي مغفرة عظيمة كائنة من جهته تعالى، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم للاشعار بعلة الحكم مع التشريف { وَجَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } عطف على مغفرة والمراد بها جنات في ضمن تلك الجنة التي أخبر سبحانه أن عرضها السماوات والأرض وليس جنات وراءها على ما يقتضيه كلام صاحب القيل إلا أنه لم يكتف بإعداد ما وصف أولاً تنصيصاً على وصفها باشتمالها على ما يزيدها بهجة من الأنهار الجارية بعد وصفها بالسعة والإخبار بأنها جزاؤهم وأجرهم الذي لا بد بمقتضى الفضل أن يصل إليهم، وهذا فوق الاخبار بالإعداد أو مؤكد له فالتنوين للتعظيم على طرز ما ذكر في المعطوف عليه، وادعى شيخ الإسلام أن التنكير يشعر بكونها أدنى من الجنة السابقة، وإن ذلك مما يؤيد رجحان الوجه الأول الذي أشار إليه وفيه تردد { خَالِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة من الضمير المجرور في جزاؤهم لأنه مفعول به معنى إذ هو في قوة يجزيهم الله جنات خالدين فيها، ولا مساغ لأن يكون حالاً من (جنات) في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى إذ لو كان كذلك لأبرز الضمير على ما عليه الجمهور.

السابقالتالي
2 3