الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }

{ وَسَارِعُواْ } عطف علىأَطِيعُواْ } [آل عمران: 132] أوٱتَّقَوْاْ } [آل عمران: 131]. وقرأ نافع وابن عامر بغير واو على وجه الاستئناف وهي قراءة أهل المدينة والشام، والقراءة المشهورة قراءة أهل مكة والعراق أي بادروا وسابقوا، وقرىء بالأخير { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ } أي أسبابهما من الأعمال الصالحة، وعن علي كرم الله تعالى وجهه سارعوا إلى أداء الفرائض، وعن ابن عباس إلى الإسلام، وعن أبـي العالية إلى الهجرة، وعن أنس بن مالك إلى التكبيرة الأولى، وعن سعيد بن جبير إلى أداء الطاعات، وعن يمان إلى الصلوات الخمس؛ وعن الضحاك إلى الجهاد، وعن عكرمة إلى التوبة، والظاهر العموم ويدخل فيه سائر الأنواع، وتقديم المغفرة على الجنة لما أن التخلية مقدمة على التحلية، وقيل: لأنها كالسبب لدخول الجنة، و { مِنْ } متعلقة بمحذوف وقع نعتاً ـ لمغفرة ـ والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار مزيد اللطف بهم ووصف المغفرة بكونها من الرب دون الجنة تعظيماً لأمرها وتنويهاً بشأنها وسبب نزول الآية على ما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن عطاء بن أبـي رباح " أن المسلمين قالوا: يا رسول الله بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله تعالى منا كانوا إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة داره اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا فسكت صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات إلى قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } [آل عمران: 135] الآية فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلاها عليهم "

والتنوين في { مَغْفِرَةٍ } للتعظيم ويؤيده الوصف، وكذا في { جَنَّةٍ } ويؤيده أيضاً وصفها بقوله سبحانه: { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٱتُ وَٱلأَرْضُ } والمراد كعرض السماوات والأرض فهو على حد قوله:
حسبت بغام راحلتي عناقا   وما هي ويب غيرك بالعناق
فإنه أراد كصوت عناق، والعرض أقصر الامتدادين، وفي ذكره دون ذكر الطول مبالغة، وزاد في المبالغة بحذف أداة التشبيه وتقدير المضاف فليس المقصود تحديد عرضها حتى يمتنع كونها في السماء بل الكلام كناية عن غاية السعة بما هو في تصور السامعين، والعرب كثيراً ما تصف الشيء بالعرض إذا أرادوا وصفه بالسعة، ومنه قولهم: أعرض في المكارم إذا توسع فيها، والمراد من السماوات والأرض السماوات / السبع والأرضون السبع، فعن ابن عباس من طريق السدّي أنه قال: تقرن السماوات السبع والأرضون السبع كما تقرن الثياب بعضها ببعض فذاك عرض الجنة، والأكثرون على أنها فوق السماوات السبع تحت العرش وهو المروي عن أنس بن مالك، وقيل: إنها في السماء الرابعة وإليه ذهب جماعة، وقيل: إنها خارجة عن هذا العالم حيث شاء الله تعالى، ومعنى كونها في السماء أنها في جهة العلو ولا مانع عندنا أن يخلق الله تعالى في العلو أمثال السماوات والأرض بأضعاف مضاعفة ولا ينافي هذا خبر أنها في السماء الرابعة إن صح، ولا ما حكي عن الأكثر لأن ذلك مثل قولك: في الدار بستان إذا كان له باب منها يشرع إليه مثلاً فإنه لا ينافي خروج البستان عنها، وعلى هذا التأويل لا ينافي الخبر أيضاً كون عرض الجنة كعرض السماوات والأرض من غير حاجة إلى القول بأنه ليس المراد من السماوات السماوات السبع كما قيل به.

السابقالتالي
2 3