الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

{ قَدْ كَانَ لَكُمْ } من تتمة القول المأمور به جيء به لتقرير مضمون ما قبله وتحقيقه والخطاب لليهود أيضاً ـ واختاره شيخ الإسلام ـ وذهب إليه البلخي أي قد كان لكم أيها اليهود المغترون بعددهم وعددهم { ءايَةً } أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم أنكم ـ ستغلبون ـ { فِي فِئَتَيْنِ } أي فرقتين أو جماعتين من الناس كانت المغلوبة منهما مدلة بكثرتها معجبة بعزتها فأصابها ما أصابها { ٱلْتَقَتَا } يوم بدر { فِئَةٌ تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فهي في أعلى درجات الإيمان ولم يقل مؤمنة مدحاً لهم بما يليق بالمقام ورمزاً إلى الاعتداد بقتالهم، وقرىء ـ يقاتل ـ على تأويل الفئة بالقوم أو الفريق { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } بالله تعالى فهي أبعد من أن تقاتل في سبيله وإنما لم توصف بما يقابل صفة الفئة الأولى إسقاطاً لقتالهم عن درجة الاعتبار وإيذاناً بأنه لم يتصدوا له لما عراهم من الهيبة والوجل.

و { كَانَ } ناقصة ـ وعليه جمهور المعربين و { ءايَةً } اسمها وترك التأنيث في الفعل لأن المرفوع غير حقيقي التأنيث ولأنه مفصول ولأن الآية والدليل بمعنى، وفي الخبر وجهان: أحدهما { لَكُمْ } و { فِي فِئَتَيْنِ } نعت ـ لآية ـ والثاني أن الخبر هو هذا النعت و { لَكُمْ } متعلق بـ { كَانَ } على رأي من يرى ذلك، وجوز أن يكون { لَكُمْ } في موضع نصب على الحال ـ وقد تقدم مراراً أن وصف النكرة إذا قدم عليها كان حالاً ـ و (التقتا) في حيز الجر نعت ـ لفئتين ـ وفئة خبر لمحذوف أي إحداهما فئة وأخرى نعت لمقدر أي ـ وفئة أخرى ـ والجملة مستأنفة لتقرير ما في الفئتين من الآية، وقيل: فئة وما عطف عليها بدل من الضمير في { ٱلْتَقَتَا } وما بعدهما صفة فلا بد من ضمير محذوف عائد إلى المبدل منه مسوغ لوصف البدل بالجملة العارية عن ضمير أي فئة منهما تقاتل الخ، وجوز أن يكون كل من المتعاطفين مبتدأ وما بعدهما خبر أي فئة منهما تقاتل الخ، ـ فِئة. أخرى كافرة، وقيل: كل منهما مبتدأ محذوف الخبر أي منهما فئة الخ، وقرىء (وأخرى كافرة) ـ بالنصب فيهما وهو على المدح في الأولى والذم في الثاني، وقيل: على الاختصاص، واعترضه أبو حيان بأن المنصوب عليه لا يكون نكرة، وأجيب بأن القائل لم يعن الاختصاص المبوب له في النحو كما في " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " وإنما عنى النصب بإضمار فعل لائق وأهل البيان يسمون هذا النحو اختصاصاً ـ كما قاله الحلبـي ـ/ وجوز أن يكونا حالين كأنه قيل: التقتا مؤمنة وكافرة، وفئة وأخرى على هذا توطئة للحال، وقرىء بالجر فيهما على البدلية من (فئتين) بدل بعض من كل والضمير العائد إلى المبدل منه مقدر على نحو ما مر ويسمى بدلاً تفصيلياً كما في قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5