الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق والدعوة إلى الخير كذا قيل، وقيل: هو من تتمة الخطاب الأول في قوله سبحانه وتعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] وتوالت بعد هذا خطابات المؤمنين من أوامر ونواهي واستطرد بين ذلك من يبيض وجهه ومن يسود وشيء من أحوالهم في الآخرة، ثم عاد إلى الخطاب الأول تحريضاً على الانقياد والطواعية ـ وكان ـ ناقصة ولا دلالة لها في الأصل على غير الوجود في الماضي من غير دلالة على انقطاع أو دوام، وقد تستعمل للأزلية كما في صفاته تعالى نحووَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيماً } [الأحزاب: 40] وقد تستعمل للزوم الشيء وعدم انفكاكه نحووَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلاً } [الكهف: 54]، وذهب بعض النحاة إلى أنها تدل بحسب الوضع على الانقطاع كغيرها من الأفعال الناقصة والمصحح هو الأول وعليه لا تشعر الآية بكون المخاطبين ليسوا خير أمة الآن، وقيل: المراد كنتم في علم الله تعالى أو في اللوح المحفوظ أو فيما بين الأمم أي في علمهم كذلك، وقال الحسن: معناه أنتم خير أمة، واعترض بأنه يستدعي زيادة كان وهي لا تزاد في أول الجملة.

{ أُخْرِجَتْ } أي أظهرت وحذف الفاعل للعلم به { لِلنَّاسِ } متعلق بما عنده، وقيل: بخير أمة، وجملة أخرجت صفة ـ لأمة ـ وقيل: لخير، والأول أولى، والخطاب قيل: لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وإليه ذهب الضحاك، وقيل: للمهاجرين من بينهم وهو أحد خبرين عن ابن عباس، وفي آخر أنه عام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤيده ما أخرجه الإمام أحمد بسند حسن عن أبـي الحسن كرم الله تعالى وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل التراب لي طهوراً وجعلت أمتي خير الأمم " وأخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي جعفر رضي الله تعالى عنه أن الآية في أهل بيت النبـي صلى الله عليه وسلم، وأخرج ابن جرير عن عكرمة أنها نزلت في ابن مسعود وعمار بن ياسر / وسالم مولى أبـي حذيفة وأبـيّ بن كعب ومعاذ بن جبل، والظاهر أن الخطاب وإن كان خاصاً بمن شاهد الوحي من المؤمنين أو ببعضهم لكن حكمه يصلح أن يكون عاماً للكل كما يشير إليه قول عمر رضي الله تعالى عنه فيما حكى قتادة «يا أيها الناس من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شرط الله تعالى منها» وأشار بذلك إلى قوله سبحانه:

{ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } فإنه وإن كان استئنافاً مبيناً لكونهم خير أمة أو صفة ثانية لأمة على ما قيل إلا أنه يفهم الشرطية والمتبادر من المعروف الطاعات ومن المنكر المعاصي التي أنكرها الشرع.

السابقالتالي
2