الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ } وهم اليهود والنصارى قاله الحسن والربيع. وأخرج ابن ماجه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة " وفي رواية أحمد عن معاوية مرفوعاً " إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة " ، وفي رواية له أخرى عن أنس مرفوعاً أيضاً " إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة " ولا تعارض بين هذه الروايات لأن الافتراق حصل لمن حصل على طبق ما وقع فيها في بعض الأوقات وهو يكفي للصدق وإن زاد العدد أو نقص في وقت آخر { وَٱخْتَلَفُواْ } في التوحيد والتنزيه وأحوال المعاد، قيل: وهذا معنى تفرقوا وكرره للتأكيد، وقيل: التفرق بالعداوة والاختلاف بالديانة. { مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } أي الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة لاتحاد الكلمة، وقال الحسن: التوراة، وقال قتادة. وأبو أمامة: القرآن { وَأُوْلـٰئِكَ } إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بما في حيز الصلة { لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } لا يكتنه على تفرقهم واختلافهم المذكور، وفي ذلك وعيد لهم وتهديد للمتشبهين بهم لأن التشبيه بالمغضوب عليه يستدعي الغضب.

ثم إن هذا الاختلاف المذموم محمول كما قيل على الاختلاف في الأصول دون الفروع ويؤخذ هذا التخصيص من التشبيه، وقيل: إنه شامل للأصول والفروع لما نرى من اختلاف أهل السنة فيها ـ كالماتريدي والأشعري ـ فالمراد حينئذٍ بالنهي عن الاختلاف النهي عن الاختلاف فيما ورد فيه نص من الشارع أو أجمع عليه وليس بالبعيد.

واستدل على عدم المنع من الاختلاف في الفروع بقوله عليه الصلاة والسلام: " اختلاف أمتي رحمة " وبقوله صلى الله عليه وسلم: " مهما أوتيتم من كتاب الله تعالى فالعمل به لا عذر لأحد في تركه فإن لم يكن في كتاب / الله تعالى فسنة مني ماضية فإن لم يكن سنة مني فما قال أصحابـي إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابـي لكم رحمة " ، وأراد بهم صلى الله عليه وسلم خواصهم البالغين رتبة الاجتهاد والمقصود بالخطاب من دونهم فلا إشكال فيه خلافاً لمن وهم، والروايات عن السلف في هذا المعنى كثيرة.

السابقالتالي
2 3