{ وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } أمرهم سبحانه بتكميل الغير إثر أمرهم بتكميل النفس ليكونوا هادين مهديين على ضد أعدائهم فإن ما قص الله تعالى من حالهم فيما سبق يدل على أنهم ضالون مضلون، والجمهور على إسكان لام الأمر، وقرىء بكسرها على الأصل، و (تكن) إما من كان التامة فتكون أمة فاعلاً وجملة يدعون صفته و منكم متعلق ـ بتكن ـ أو بمحذوف على أن يكون صفة ـ لأمة ـ قدم / عليها فصار حالاً. وإما من كان الناقصة فتكون أمة اسمها ويدعون خبرها و منكم إما حال من أمة أو متعلق بكان الناقصة، والأمة الجماعة التي تؤم أي تقصد لأمر مّا، وتطلق على أتباع الأنبياء لاجتماعهم على مقصد واحد وعلى القدوة؛ ومنه{ إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [النحل: 120] وعلى الدين والملة، ومنه{ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [الزخرف: 22] وعلى الزمان، ومنه{ وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [يوسف: 54] إلى غير ذلك من معانيها. والمراد من الدعاء إلى الخير الدعاء إلى ما فيه صلاح ديني أو دنيوي فعطف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه في قوله سبحانه: { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } من باب عطف الخاص على العام إيذاناً بمزيد فضلهما على سائر الخيرات كذا قيل: وقال ابن المنير: ((إن هذا ليس من تلك الباب لأنه ذكر بعد العام جميع ما يتناوله إذ الخير المدعو إليه إما فعل مأمور أو ترك منهي لا يعدو واحداً من هذين حتى يكون تخصيصهما بتميزهما عن بقية المتناولات، فالأولى أن يقال فائدة هذا التخصيص ذكر الدعاء إلى الخير عاماً ثم مفصلاً، وفي تثنية الذكر على وجهين ما لا يخفى من العناية إلا إن ثبت عرف يخص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببعض أنواع الخير وحينئذ يتم ما ذكر، وما أرى هذا العرف ثابتاً)) انتهى، وله وجه وجيه لأن الدعاء إلى الخير لو فسر بما يشمل أمور الدنيا وإن لم يتعلق بها أمر أو نهي كان أعم من فرض الكفاية ولا يخفى ما فيه، على أنه قد أخرج ابن مردويه عن الباقر رضي الله تعالى عنه قال: " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } ثم قال: الخير اتباع القرآن وسنتي " وهذا يدل أن الدعاء إلى الخير لا يشمل الدعاء إلى أمور الدنيا. ومن الناس من فسر الخير بمعروف خاص وهو الإيمان بالله تعالى وجعل المعروف في الآية ما عداه من الطاعات فحينئذ لا يتأتى ما قاله ابن المنير أيضاً، ويؤيده ما أخرجه ابن أبـي حاتم عن مقاتل أن الخير الإسلام والمعروف طاعة الله والمنكر معصيته، وحذف المفعول الصريح من الأفعال الثلاثة إما للإعلام بظهوره أي يدعون الناس ولو غير مكلفين ويأمرونهم وينهونهم، وإما للقصد إلى إيجاد نفس الفعل على حدّ فلان يعطي أي يفعلون الدعاء والأمر والنهي ويوقعونها، والخطاب قيل متوجه إلى من توجه الخطاب الأول إليه في رأي وهم الأوس والخزرج، وأخرج ابن المنذر عن الضحاك أنه متوجه إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وهم الرواة، والأكثرون على جعله عاماً ويدخل فيه من ذكر دخولاً أولياً، و (من) هنا قيل: للتبعيض، وقيل: للتبيين وهي تجريدية كما يقال لفلان من أولاده جند وللأمير من غلمانه عسكر يراد بذلك جميع الأولاد والغلمان.