الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ } أي القرآن وروى ذلك بسند صحيح عن ابن مسعود. وأخرج غير واحد عن أبـي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض " وأخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله عز وجل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض " وورد بمعنى ذلك أخبار كثيرة وقيل: المراد بحبل الله الطاعة والجماعة، وروي ذلك عن ابن مسعود أيضاً. أخرج ابن أبـي حاتم من طريق الشعبـي عن ثابت بن قطنة المزني قال: سمعت ابن مسعود يخطب وهو يقول: أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله تعالى الذي أمر به، وفي رواية عنه حبل الله تعالى الجماعة، وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبـي العالية أنه الإخلاص لله تعالى وحده وعن الحسن / أنه طاعه الله عز وجل وعن ابن زيد أنه الإسلام، وعن قتادة أنه عهد الله تعالى وأمره وكلها متقاربة. وفي الكلام استعارة تمثيلية بأن شبهت الحالة الحاصلة للمؤمنين من استظهارهم بأحد ما ذكر ووثوقهم بحمايته بالحالة الحاصلة من تمسك المتدلي من مكان رفيع بحبل وثيق مأمون الانقطاع من غير اعتبار مجاز في المفردات، واستعير ما يستعمل في المشبه به من الألفاظ للمشبه، وقد يكون في الكلام استعارتان مترادفتان بأن يستعار الحبل للعهد مثلاً استعارة مصرحة أصلية والقرينة الإضافة، ويستعار الاعتصام للوثوق بالعهد والتمسك به على طريق الاستعارة المصرحة التبعية والقرينة اقترانها بالاستعارة الثانية، وقد يكون في { اعتصموا } مجاز مرسل تبعي بعلاقة الإطلاق والتقييد، وقد يكون مجازاً بمرتبتين لأجل إرسال المجاز وقد تكون الاستعارة في الحبل فقط ويكون الاعتصام باقياً على معناه ترشيحاً لها على أتم وجه، والقرينة قد تختلف بالتصرف فباعتبار قد تكون مانعة وباعتبار آخر قد لا تكون، فلا يرد أن احتمال المجازية يتوقف على قرينة مانعة عن إرادة الموضع له فمع وجودها كيف يتأتى إرادة الحقيقة ليصح الأمران في { اعتصموا } وقد تكون الاستعارتان غير مستقلتين بأن تكون الاستعارة في الحبل مكنية وفي الاعتصام تخييلية لأن المكنية مستلزمة للتخييلية قاله الطيبـي، ولا يخفى أنه أبعد من العيوق. وقد ذكرنا في «حواشينا على رسالة ابن عصام» ما يردّ على بعض هذه الوجوه مع الجواب عن ذلك فارجع إليه إن أردته.

{ جَمِيعاً } حال من فاعل { اعتصموا } كما هو الظاهر المتبادر أي مجتمعين عليه فيكون قوله تعالى: { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } تأكيداً بناءاً على أن المعنى ولا تتفرقوا عن الحق الذي أمرتم بالاعتصام به، وقيل: المعنى لا يقع بينكم شقاق وحروب كما هو مراد المذكرين لكم بأيام الجاهلية الماكرين بكم، وقيل: المعنى لا تتفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي ذلك عن الحسن.

السابقالتالي
2 3