الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا } في شأننا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً ففيه مضاف مقدر، وقيل: لا حاجة إلى التقدير بحمل الكلام على المبالغة بجعل ذات الله سبحانه مستقراً للمجاهدة وأطلقت المجاهدة لتعم مجاهدة الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعهما { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا، والمراد نزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقاً لسلوكها فإن الجهاد هداية أو مرتب عليها، وقد قال تعالى:وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [محمد: 17] وفي الحديث " من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم " ومن الناس من أول { جَـٰهَدُواْ } بأرادوا الجهاد وأبقى { لَنَهْدِيَنَّهُمْ } على ظاهره، وقال السدي: المعنى والذين جاهدوا بالثبات على الإيمان لنهدينهم سبلنا إلى الجنة، وقيل: المعنى والذين جاهدوا في الغزو لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة، وما ذكر أولاً أولى، والموصول مبتدأ وجملة القسم وجوابه خبره نظير ما مر من قوله:وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } [العنكبوت: 58].

/ { وَإِنَّ ٱللَّهَ } المتصف بجميع صفات الكمال الذي بلغت عظمته في القلوب ما بلغت { لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } معية النصرة والمعونة وتقدم الجهاد المحتاج لهما قرينة قوية على إرادة ذلك، وقال العلامة الطيبـي: إن قوله تعالى: { لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } قد طابق قوله سبحانه: { جَـٰهَدُواْ } لفظاً ومعنى، أما اللفظ فمن حيث الإطلاق في المجاهدة والمعية، وأما المعنى فالمجاهد للأعداء يفتقر إلى ناصر ومعين، ثم إن جملة قوله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } تذييل للآية مؤكد بكلمتي التوكيد محلى باسم الذات ليؤذن بأن من جاهد بكليته وشراشره في ذاته جل وعلا تجلى له الرب عز اسمه الجامع في صفة النصرة والإعانة تجلياً تاماً.

ثم إن هذه خاتمة شريفة للسورة لأنها مجاوبة لمفتتحها ناظرة إلى فريدة قلادتهاأَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2] لامحة إلى واسطة عقدهايٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ } [العنكبوت: 56] وهي في نفسها جامعة فاذة اهـ.

و { ءالَ } في المحسنين يحتمل أن تكون للعهد فالمراد بالمحسنين الذين جاهدوا، ووجه إقامة الظاهر مقام الضمير ظاهر وإلى ذلك ذهب الجمهور، ويحتمل أن يكون للجنس فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة ويدخل أولئك دخولاً أولياً برهانياً. وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر { ٱلْمُحْسِنِينَ } بالموحدين وفيه تأييد ما للاحتمال الثاني والله تعالى أعلم.

ومن باب الإشارة في الآيات:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ } [العنكبوت: 2] الآية قال ابن عطاء: ظن الخلق أنهم يتركون مع دعاوى المحبة ولا يطالبون بحقائقها وهي صب البلاء على المحب وتلذذه بالبلاء الظاهر والباطن، وهذا كما قال العارف ابن الفارض قدس سره:

السابقالتالي
2 3