الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أي عالماً بما صدر عني من التبليغ والإنذار، وبما صدر عنكم من مقابلتي بالتكذيب والإنكار فيجازي سبحانه كلاً بما يليق به { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي من الأمور التي من جملتها شأني وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيداً، وجوز أن يكون المعنى كفى به عز وجل شاهداً بصدقي أي مصدقاً لي فيما ادعيته بالمعجزات تصديق الشاهد لدعوى المدعى، وجملة { يَعْلَمْ } إما صفة { شَهِيداً } أو حال أو استئناف لتعليل كفايته، وقيل عليه: إن هذا الوجه لا يلائمه قوله تعالى: { بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } سواء تعلق بكفي أو بشهيداً ولا قوله سبحانه: { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } الخ، وفيه تأمل. وقد يؤيد ذلك بما روي أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد من يشهد بأنك رسول الله؟ فنزلت { قُلْ كَفَىٰ } الآية إلا أن في القلب من صحة هذه الرواية شيئاً لما أن السياق والسباق مع كفرة قريش فلا تغفل. وأياً ما كان فلا منافاة بين هذه الآية، وقوله تعالى:وَٱدْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [البقرة: 23] بناء على أن المعنى لا تستشهدوا بالله تعالى ولا تقولوا الله تعالى يشهد أن ما ندعيه حق كما يقوله العاجز عن إقامة البينة إما لأن الشهيد هٰهنا بمعنى العالم والكلام وعد ووعيد، وإما بمعنى المصدق بالمعجزات وليست الشهادة بأحد المعنيين هناك.

والباء في { بِٱللَّهِ } زائدة والاسم الجليل فاعل { كَفَىٰ } ، وقال الزجاج: إن الباء دخلت لتضمن { كَفَىٰ } معنى اكتف فالباء كما قال اللقاني معدية لا زائدة، قال ابن هشام في «المغني»: وهو من الحسن بمكان ويصححه قولهم: اتقى الله تعالى امرؤ فعل خيراً يثب عليه أي ليتق بدليل جزم يثب ويوجبه قولهم: كفى بهند بترك التاء / فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب بدليلوَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ } [الأنعام: 59] فإن عورض بأحسن بهند فالتاء لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناها الخبر اهـ. وتعقب ذلك الشيخ يس الحمصي في «حواشيه على التصريح» فقال: أقول تفسير { كَفَىٰ } على هذا القول باكتف غير صحيح إذ فاعل { كَفَىٰ } حينئذ ضمير المخاطب، و { كَفَىٰ } ماض وهو لا يرفع ضمير المخاطب المستتر اهـ وفيه بعد بحث لا يخفى على المتأمل.

وظن بعض الناس أن { كَفَىٰ } على هذا القول اسم فعل أمر يخاطب به المفرد المذكر وغيره نحو حي في حي على الصلاة فالمعنى هنا اكتفوا بالله، وأنت تعلم أن هذا بعيد الإرادة من كلام الزجاج ويأباه كلام ابن هشام، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، قال ابن هشام: وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر وهو قول الفارسي والرماني أجازوا مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح، وأجاز الكوفيون إعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين إعماله مطلقاً اهـ.

السابقالتالي
2