الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ }

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } حال من { الناس } أو من ضميريُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2]، وعلى الأول يكون علة لإنكار الحسبان أي أحسبوا ذلك وقد علموا أن سنة الله تعالى على خلافه ولن تجد لسنة الله تعالى تبديلاً، وعلى الثاني بياناً لأنه لا وجه لتخصيصهم بعدم الافتتان، وحاصله أنه على الأول تنبيه على الخطأ، وعلى الثاني تخطئة، والمراد بالذين من قبلهم المؤمنون أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أصابهم من ضروب الفتن والمحن ما أصابهم فصبروا وعضوا على دينهم بالنواجذ كما يعرب عنه قوله تعالى:وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } [آل عمران: 146] الآيات. وروى البخاري. وأبو داود والنسائي " عن خباب بن الأرت قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد لقينا من المشركين شدة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه "

{ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } أي في قولهم آمنا { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ } في ذلك؛ والفاء لترتيب ما بعدها على ما يفصح عنه ما قبلها من وقوع الامتحان، واللام واقعة في جواب القسم، والالتفات إلى الاسم الجليل لإدخال الروعة وتربية المهابة، وتكرير الجواب لزيادة التأكيد والتقرير.

ويتوهم من الآية حدوث علمه تعالى بالحوادث وهو باطل. وأجيب بأن الحادث تعلق علمه تعالى بالمعدوم بعد حدوثه، وقال ابن المنير: الحق أن علم الله تعالى واحد يتعلق بالموجود زمان وجوده وقبله وبعده على ما هو عليه، وفائدة ذكر العلم هٰهنا وإن كان سابقاً على وجود المعلوم التنبيه بالسبب على المسبب وهو الجزاء فكأنه قيل: فوالله ليعلمن بما يشبه الامتحان والاختبار الذين صدقوا في الإيمان الذي أظهروه والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب فليجازين كلاً بحسب علمه فيه، وفي معناه ما قاله ابن جني: من أنه من إقامة السبب مقام المسبب، والغرض فيه ليكافئن الله تعالى الذين صدقوا وليكافئن الكاذبين وذلك أن المكافأة على الشيء إنما هي مسببة عن علم، وقال محيـي السنة: أي فليظهرن الله تعالى الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلوماً لأن الله تعالى عالم بهم قبل الاختبار.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وجعفر بن محمد والزهري رضي الله تعالى عنهم { فَلَيَعْلَمَنَّ } بضم الياء وكسر اللام على أنه مضارع أعلم المنقولة بهمزة التعدية من علم المتعدية إلى واحد وهي التي بمعنى عرف فيكون / الفعل على هذه القراءة متعدياً لاثنين والثاني هنا محذوف أي فليعلمن الله الذين صدقوا منازلهم من الثواب وليعلمن الكاذبين منازلهم من العقاب وذلك في الآخرة، أو الأول محذوف أي فليعلمن الله الناس الذين صدقوا وليعلمنهم الكاذبين أي يشهدهم هؤلاء في الخير وهؤلاء في الشر، والظاهر أن ذلك في الآخرة أيضاً، وقال أبو حيان: في الدنيا والآخرة، وجوز أن يكون ذلك من الإعلام وهو وضع العلامة والسمة فيتعدى لواحد أي يسمهم بعلامة يعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها، وقيل: يسمهم سبحانه بعلامة يعرفون بها في الدنيا كقوله عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2