الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

{ وَقَالَ } إبراهيم عليه السلام مخاطباً لهم بعد أن أنجاه الله تعالى من النار. { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها وائتلافكم كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تحابهم وتصادقهم، فالمفعول له غاية مترتبة على الفعل ومعلول له في الخارج، أو المعنى إن مودة بعضكم بعضاً هي التي دعتكم إلى اتخاذها بأن رأيتم بعض من تودّونه اتخذها فاتخذتموها موافقة له لمودتكم إياه، وهذا كما يرى الإنسان من يوده يفعل شيئاً فيفعله مودّة له، فالمفعول له على هذا علة باعثة على الفعل وليس معلولاً له في الخارج، والمراد نفي أن يكون فيها نفع أو ضر وأن الداعي لاتخاذها رجاء النفع أو خوف الضر، وكأنه لم يعتبر ما جعلوه علة لاتخاذها علة وهو ما أشاروا إليه في قولهم:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3] للإشارة إلى أن ذلك لكونه أمراً موهوماً لا حقيقة له مما لا ينبغي أن يكون علة باعثة وسبباً حاملاً لمن له أدنى عقل. وقال بعضهم: يجوز أن يكون المخاطبون في هذه الآية أناساً مخصوصين، والقائلون: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } أناساً غيرهم، وقيل: إنّ الأوثان أول ما اتخذت بسبب المودة، وذلك أنه كان أناس صالحون فماتوا وأسف عليهم أهل زمانهم فصورا حجاراً بصورهم حباً لهم فكانوا يعظمونها في الجملة ولم يزل تعظيمها يزداد جيلاً فجيلاً حتى عبدت، فالآية إشارة إلى ذلك، والمعنى إنما اتخذ أسلافكم من دون الله أوثاناً الخ، ومثله في القرآن الكريم كثير.

وثاني مفعولي { اتخذتم } محذوف تقديره آلهة. وقال مكي: يجوز أن يكون اتخذ متعدياً إلى مفعول واحد كما في قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ } [الأعراف: 152] ورد بأنه مما حذف مفعوله الثاني أيضاً، وجوز أن يكون { مودة } هو المفعول الثاني بتقدير مضاف أي ذات مودة وكونها ذات مودة باعتبار كونها سبب المودة، وظاهر كلام الكشاف أن المضاف المحذوف / هو لفظ سبب، وقد يستغنى عن التقدير بتأويل مودة بمودودة، أو بجعلها نفس المودة مبالغة، واعترض جعل { مودة } المفعول الثاني بأنه معرفة بالإضافة إلى المضاف إلى الضمير والمفعول الأول نكرة وذلك غير جائز لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر. وأجيب بأنه لا يلزم من غير جواز ذلك في أصلهما عدم جوازه فيهما، وإذا سلم اللزوم فلا يسلم كون المفعول الثاني هنا معرفة بالإضافة لما أنها على الاتساع فهي من قبيل الإضافة اللفظية التي لا تفيد تعريفاً وإنما تفيد تخفيفاً في اللفظ، كذا قيل وهو كما ترى.

السابقالتالي
2 3