الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىء ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ } الخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله، والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها، والواو للعطف على / مقدر أي ألم ينظروا ولم يعلموا كيفية خلق الله تعالى الخلق ابتداءً من مادة ومن غير مادة أي قد علموا ذلك. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بخلاف عنه { ألم تروا } بتاء الخطاب، وهو على ما قال هذا البعض لتشديد الإنكار وتأكيده ولا يحتاج عليه إلى تقدير قول، ومن لم يجعل ذلك كلاماً مستأنفاً مسوقاً من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث قال: إن الخطاب على تقدير القول أي قال لهم رسلهم: ألم تروا. ووجه ذلك بأنه جعل ضمير { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } على قراءة الغيبة لأمم في قوله تعالى:أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ } [العنكبوت: 18] فيجعل في قراءة الخطاب له أيضاً ليتحد معنى القراءتين، وحينئذٍ يحتاج لتقدير القول ليحكى خطاب رسلهم معهم إذ لا مجال للخطاب بدونه. وقيل: إن ذاك لأنه لا يجوز أن يكون الخطاب لمنكري الإعادة من أمة إبراهيم أو نبينا عليهما الصلاة والسلام وهم المخاطبون بقوله تعالى:وَإِن تُكَذّبُواْ } [العنكبوت: 18] لأن الاستفهام للإنكار أي قد رأوا فلا يلائم قوله تعالى:قُلْ سِيرُواْ } [العنكبوت: 20] الخ لأن المخاطبين فيها هم المخاطبون أولاً، يعني إن كانت الرؤية علمية فالأمر بالسير والنظر لا يناسب لمن حصل له العلم بكيفية الخلق، والقول بأن الأول دليل أنفسي، والثاني آفاقي مخالف للظاهر من وجوه اهـ فتدبر، ولعل الأظهر والأبعد عن القيل والقال في نظم الآيات ما نقلناه عن بعض المحققين. وقرأ الزبيري وعيسى وأبو عمرو بخلاف عنه { كَيْفَ يَبْدَأُ } على أنه مضارع بدأ الثلاثي مع إبدال الهمزة ألفاً كما ذكره الهمداني.

وقوله تعالى: { ثُمَّ يُعِيدُهُ } عطف على { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } لا على { يبدىء } لأن الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة فلو عطف عليه لم يصح وكذا إذا كانت علمية لأن المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته فلو كان معلوماً لهم كان تحصيلاً للحاصل. وجوز العطف عليه بتأويل الإعادة بإنشائه تعالى كل سنة مثل ما أنشأه سبحانه في السنة السابقة من النبات والثمار وغيرهما فإن ذلك مما يستدل به على صحة البعث ووقوعه على ما قيل من غير ريب، وعن مقاتل أن الخلق هنا الليل والنهار وليس بشيء { إِنَّ ذٰلِكَ } أي ما ذكر من الإعادة، وجوز أن يكون المشار إليه ما ذكر من الأمرين { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } إذ لا يحتاج فعله تعالى إلى شيء خارج عن ذاته عز وجل.