الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ إنَّمَا تَعْبُدُونَ منْ دُون ٱلله أَوْثَـٰناً } بيان لبطلان دينهم وشريته في نفسه بعد بيان شريته بالنسبة إلى الدين الحق، أي ما تعبدون من دونه تعالى إلا أوثاناً هي في نفسها تماثيل مصنوعة لكم ليس فيها وصف غير ذلك { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } أي وتكذبون كذباً حيث تسمونها آلهة وتدعون أنها شفعاؤكم عند الله سبحانه؛ أو تعملونها وتنحتونها للإفك والكذب، واللام لام العاقبة وإلا فهم لم يعملوها لأجل الكذب، وجوز أن يكون ذلك من باب التهكم. وقال بعض الأفاضل: الأظهر كون { إفكاً } مفعولاً به والمراد به نفس الأوثان وجعلها كذباً مبالغة، أو الإفك بمعنى المأفوك وهو المصروف عما هو عليه، وإطلاقه على الأوثان لأنها مصنوعة وهم يجعلونها صانعاً.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي وعون العقيلي وعبادة وابن أبـي ليلى وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { تخلقون } بفتح التاء والخاء واللام مشددة، قال ابن مجاهد: ورويت عن ابن الزبير وأصله تتخلقون فحذفت إحدى التاءين وهو من تخلق بمعنى تكذب وصيغة التكلف للمبالغة. وزعم بعضهم جواز أن يكون تفعل بمعنى فعل. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أيضاً { تخلقون } من خلق بالتشديد للتكثير في الخلق بمعنى الكذب والافتراء. وقرأ ابن الزبير / وفضيل بن زرقان { أَفكاً } بفتح الهمزة وكسر الفاء على أنه مصدر كالكذب واللعب أو وصف كالحذر وقع صفة لمصدر مقدر أي خلقاً أفكاً أي ذا أفك.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً } بيان لشرية ما يعبدونه من حيث أنه لا يكاد يجديهم نفعاً، و { رِزْقاً } يحتمل أن يكون مصدراً مفعولاً به ليملكون، والمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق، وأن يكون بمعنى المرزوق أي لا يستطيعون، إيتاء شيء من الرزق وجوز على المصدرية أن يكون مفعولاً مطلقاً ليملكون من معناه أو لمحذوف والأصل لا يملكون أن يرزقوكم رزقاً وهو كما ترى ونكر كما قال بعض الأجلة: للتحقير والتقليل مبالغة في النفي، وخص الرزق لمكانته من الخلق { فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرّزْقَ } أي كله على أن تعريف الرزق للاستغراق. قال الطيبـي: هذا من المواضع التي ليست المعرفة المعادة عين الأول فيها، وجوز أن تكون عين الأول بناءً على أن كلاً منهما مستغرق { وَٱعْبُدُوهُ } عز وجل وحده { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } على نعمائه متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين بشكره تعالى للعتيد ومستجلبين به للمزيد، فالجملتان ناظرتان لما قبلهما، وجوز أن يكون ناظرتين لقوله تعالى: { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } كأنه قيل: استعدوا للقائه تعالى بالعبادة والشكر فإنه إليه ترجعون، وجوز بعض المحققين أن تكون هذه الجملة تذييلاً لجملة ما سبق مما حكى عن إبراهيم عليه السلام أو لأوله، والمعنى إليه تعالى لا إلى غيره سبحانه ترجعون بالموت ثم بالبعث فافعلوا ما أمرتكم به وما بينهما اعتراض لتقرير الشرية كما سمعت. وقرىء { تَرْجَعُونَ } بفتح التاء من رجع رجوعاً.