الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

{ وَإِبْرٰهِيمَ } نصب بإضمار اذكر معطوفاً على ما قبله عطف القصة على القصة فلا ضير في اختلافهما خبراً وإنشاءاً و(إذ) في قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } بدل اشتمال منه لأن الأحيان تشتمل على ما فيها، وقد جوز ذلك الزمخشري وابن عطية، وتعقب ذلك أبو حيان بأن إذ لا تتصرف فلا تكون مفعولاً به والبدلية تقتضي ذلك. ثم ذكر أن إذ إن كانت ظرفاً لما مضى لا يصح أن تكون معمولة لاذكر لأن المستقبل / لا يقع في الماضي فلا يجوز قم أمس، وإذا خلعت من الظرفية الماضوية وتصرف فيها جاز أن تكون مفعولاً به ومعمولاً لاذكر، وجوز غير واحد أن يكون نصباً بالعطف علىنُوحاً } [العنكبوت: 14] فكأنه قيل: وأرسلنا إبراهيم فإذ حينئذ ظرف للإرسال، والمعنى على ما قيل أرسلناه حين تكامل عقله وقدر على النظر والاستدلال وترقى من رتبة الكمال إلى درجة التكميل حيث تصدى لإرشاد الخلق إلى طرق الحق، وهذا على ما قاله بعض المحققين لما أن القول المذكور في حيز إذ إنما كان منه عليه السلام بعدما راهق قبل الإرسال، وأنت تعلم أن قوله تعالى:وَإِن تُكَذّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [العنكبوت: 18] الخ إذا كان من قوله عليه السلام لقومه كالنص في أن القول المحكي عنه عليه السلام كان بعد الإرسال؛ وفي «الحواشي السعدية» أن ذلك إشارة إلى دفع ما عسى أن يقال: الدعوة تكون بعد الإرسال والمفهوم من الآية تقدمها عليه، وحاصله أنه ليس المراد من الدعوة ما هو نتيجة الإرسال بل ما هو نتيجة كمال العقل وتمام النظر، مع أن دلالة الآية على تقدمها غير مسلمة ففي الوقت سعة، ويجوز أن يكون القصد هو الدلالة على مبادرته عليه السلام للامتثال اهـ فتدبر. وجوز أبو البقاء، وابن عطية أن يكون نصباً بالعطف على مفعولأَنْجَيْنَاهُ } [العنكبوت: 15] وهو كما ترى، والأوفق بما يأتي إن شاء الله تعالى من قوله تعالى:وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـاهُمْ شُعَيْباً } [العنكبوت: 36] أن يكون النصب بالعطف على نوحاً.

وقرأ أبو حنيفة، والنخعي وأبو جعفر وإبراهيم بالرفع على أن التقدير ومن المرسلين إبراهيم، وقيل: التقدير ومما ينبغي ذكره إبراهيم، وقيل: التقدير وممن أنجينا إبراهيم، وعلى الأول المعول لدلالة ما قبل وما بعد عليه، ويتعلق بذلك المحذوف { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ }.

{ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحده { وَٱتَّقُوهُ } أن تشركوا به سبحانه شيئاً { ذٰلِكُمْ } أي ما ذكر من العبادة والتقوى { خَيْرٌ لَّكُمْ } من كل شيء فيه خيرية مما أنتم عليه على تقدير الخيرية فيه على زعمكم، ويجوز كون خير صفة لا اسم تفضيل { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي الخير والشر وتميزون أحدهما من الآخر، أو إن كنتم تعلمون شيئاً من الأشياء بوجه من الوجوه فإن ذلك كاف في الحكم بخيرية ما ذكر من العبادة والتقوى.