الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } أي ولا تعبد معه تعالى غيره عز وجل، وهذا وما قبله للتهييج والإلهاب وقطع أطماع المشركين عن مساعدته عليه الصلاة والسلام إياهم وإظهار أن المنهي عنه في القبح والشرية بحيث ينهى عنه من لا يتصور وقوعه منه أصلاً، وروى محـي السنة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: الخطاب في الظاهر للنبـي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أهل دينه وهو في معنى ما حكى عنه الطبرسي أن هذا وأمثاله من باب:
إياك أعني واسمعي يا جاره   
{ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } وحده { كُلّ شَىْء } أي موجود مطلقاً { هَالِكٌ } أي معدوم محض، والمراد كونه كالمعدوم وفي حكمه { إِلاَّ وَجْهَهُ } أي إلا ذاته عز وجل وذلك لأن وجود ما سواه سبحانه لكونه ليس ذاتياً بل هو مستند إلى الواجب تعالى في كل آن قابل للعدم وعرضة له فهو كلا وجود وهذا ما اختاره غير واحد من الأجلة، والكلام عليه من قبيل التشبيه البليغ، والوجه بمعنى الذات مجاز مرسل وهو مجاز شائع وقد يختص بما شرف من الذوات، وقد يعتبر ذلك هنا، ويجعل نكتة للعدول عن إلا إياه إلى ما في النظم الجليل.

وفي الآية بناءً على ما هو الأصل من اتصال الاستثناء دليل على صحة إطلاق الشيء عليه جل وعلا. / وقريب من هذا ما قيل: المعنى كل ما يطلق عليه الموجود معدوم في حد ذاته إلا ذاته تعالى، وقيل: الوجه بمعنى الذات إلا أن المراد ذات الشيء، وإضافته إلى ضميره تعالى باعتبار أنه مخلوق له سبحانه نظير ما قيل في قوله تعالى:تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } [المائدة: 116] من أن المراد بالنفس الثاني نفس عيسى عليه السلام وإضافته إليه تعالى باعتبار أنه مخلوق له جل وعلا، والمعنى كل شيء قابل للهلاك والعدم إلا الذات من حيث استقبالها لربها ووقوفها في محراب قربها فإنها من تلك الحيثية لا تقبل العدم، وقيل: الوجه بمعنى الجهة التي تقصد ويتوجه إليها، والمعنى كل شيء معدوم في حد ذاته إلا الجهة المنسوبة إليه تعالى وهو الوجود الذي صار به موجوداً، وحاصله أن كل جهات الموجود من ذاته وصفاته وأحواله هالكة معدومة في حد ذاتها إلا الوجود الذي هو النور الإلهي، ومن الناس من جعل ضمير { وجهه } للشيء وفسر الشيء بالموجود بمعنى ما له نسبة إلى حضرة الوجود الحقيقي القائم بذاته وهو عين الواجب سبحانه، وفسر الوجه بهذا الوجود لأن الموجود يتوجه إليه وينسب، والمعنى كل منسوب إلى الوجود معدوم إلا وجهه الذي قصده وتوجه إليه وهو الوجود الحقيقي القائم بذاته الذي هو عين الواجب جل وعلا، ولا يخفى الغث والسمين من هذه الأقوال، وعليها كلها يدخل العرش والكرسي والسماوات والأرض والجنة والنار، ونحو ذلك في العموم.

السابقالتالي
2 3