الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ } أي أوجب عليك العمل به كما روي عن عطاء وعن مجاهد أي أعطاكه، وعن مقاتل وإليه ذهب الفراء وأبو عبيدة أي أنزله عليك والمعول عليه ما تقدم. { لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } أي إلى محل عظيم القدر اعتدت به وألفته على أنه من العادة لا من العود، وهو كما في «صحيح البخاري»، وأخرجه ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «الدلائل» من طرق عن ابن عباس مكة، وروي ذلك أيضاً عن مجاهد والضحاك وجوز أن يكون من العود، والمراد به مكة أيضاً بناء على ما في «مجمع البيان» عن القتيبـي أن معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، وقد يقال: أطلق المعاد على مكة لأن العرب كانت تعود إليها في كل سنة لمكان البيت فيها، وهذا وعد منه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه عليه الصلاة والسلام يهاجر منها ويعود إليها، وروي عن غير واحد أن الآية نزلت بالجحفة بعد أن خرج صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً واشتاق إليها.

ووجه ارتباطها بما تقدمها تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة. وقيل: إنه تعالى لما ذكر من قصة موسى عليه السلام وقومه مع قارون وبغيه واستطالته عليهم وهلاكه ونصرة أهل الحق عليه ما ذكر ذكر جل شأنه هنا ما يتضمن قصة سيدنا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأصحابه مع قومه واستطالتهم عليه وإخراجهم إياه من مسقط رأسه ثم إعزازه عليه الصلاة والسلام بالإعادة إلى مكة وفتحه إياها منصوراً مكرماً ووسط سبحانه بينهما ما هو كالتخلص من الأول إلى الثاني. وأخرج الحاكم في «التاريخ». والديلمي عن علي كرم الله تعالى وجهه عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه فسر المعاد بالجنة، وأخرج تفسيره بها ابن أبـي شيبة. والبخاري في «تاريخه». وأبو يعلى وابن المنذر عن أبـي سعيد الخدري وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس، والتنكير عليه للتعظيم أيضاً، ووجه ارتباط الآية بما قبلها أنها كالتصريح ببعض ما تضمنه ذلك.

واستشكل رده عليه الصلاة والسلام إلى الجنة من حيث إنه يقتضي سابقية كونه صلى الله عليه وسلم فيها مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فيها. / وأجيب بالتزام السابقية المذكورة ويكفي فيها كونه صلى الله عليه وسلم فيها بالقوة إذ كان في ظهر آدم عليهما الصلاة والسلام حين كان فيها، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم لما كان مستعداً لها من قبل كان كأنه كان فيها فالسابقية باعتبار ذلك الاستعداد على نحو ما قيل في قوله تعالى في الكفار:

السابقالتالي
2 3