الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

{ تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } مشيراً إشارة تعظيم وتفخيم إلى ما نزل لشهرته منزلة المحسوس المشاهد كأنه قيل: تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها، و { ٱلدَّارِ } صفة لاسم الإشارة الواقع مبتدأ وهو يوصف بالجامد ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي نعيم الدار كما يوهمه كلام «البحر»، و { ٱلأَخِرَةَ } صفة للدار، والمراد بها الجنة وخبر المبتدأ قوله تعالى: { نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأَرْضِ } أي غلبة وتسلطاً { وَلاَ فَسَاداً } أي ظلماً وعدواناً على العباد كدأب فرعون وقارون، وليس الموصول مخصوصاً بهما، وفي إعادة { لا } إشارة إلى أن كلاً من العلو والفساد مقصود بالنفي، وفي تعليق الموعد بترك إرادتهما لا بترك أنفسهما مزيد تحذير منهما. وأخرج عبد بن حميد وابن أبـي حاتم عن عكرمة أنه قال: العلو في الأرض التكبر وطلب الشرف والمنزلة عند سلاطينها وملوكها والفساد العمل بالمعاصي وأخذ المال بغير حقه. وعن الكلبـي: العلو الاستكبار عن الإيمان والفساد الدعاء إلى عبادة غير الله تعالى، وروي عن مقاتل تفسير العلو بما روي عن الكلبـي، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبقال والبياع فيفتتح عليه القرآن ويقرأ { تلك الدار الآخرة } إلى آخرها، ويقول: نزلت هذه الآية { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } الخ، في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.

وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أنه لما دخل على النبـي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً فأسلم رضي الله تعالى عنه، وعن الفضيل أنه قرأ الآية ثم قال: ذهبت الأماني هٰهنا، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يرددها حتى قبض، وأخرج ابن أبـي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إن الرجل ليحب أن يكون شسع نعله أجود من شسع نعل صاحبه فيدخل في هذه الآية. ولعل هذا إذا أحب ذلك ليفتخر على صاحبه ويستهينه وإلا فقد روي أبو داود عن أبـي هريرة أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جميلاً فقال: يا رسول الله إني رجل حبب إليَّ الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد - إما قال بشراك نعلي وإما قال بشسع نعلي - أفمن الكبر ذلك؟ قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس. وروى مسلم وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2 3