الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

{ قَالَ } مجيباً لمن نصحه { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى } كأنه يريد الرد على قولهم:كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [القصص: 77] لإنبائه عن أنه تعالى أنعم عليه بتلك الأموال والذخائر من غير سبب واستحقاق من قبله، وحاصله دعوى استحقاقه لما أويته لما هو عليه من العلم، وقوله: { عَلَىٰ عِلْمٍ } عند أكثر المعربين في موضع الحال من مرفوع أوتيته قيد به العامل إشارة إلى علة الإيتاء ووجه استحقاقه له أي إنما { أوتيته } كائناً على علم، وجوز كون (على) تعليلية والجار والمجرور متعلق بأوتيت على أنه ظرف لغو كأنه قيل أوتيته لأجل علم، و { عِندِى } في موضع الصفة لعلم والمراد لعلم مختص بـي دونكم، وجوز كونه متعلقاً بأوتيت، ومعناه في ظني ورأيي كما في قولك: حكم كذا الحل عند أبـي حنيفة عليه الرحمة، وفي «الكشاف» ما هو ظاهر في أن (عندي) إذا كان بمعنى في ظني ورأيـي كان خبر مبتدأ محذوف أي هو في ظني ورأيـي هكذا، والجملة عليه مستأنفة تقرر أن ما ذكره رأي مستقر هو عليه، قال في «الكشف»: وهذا هو الوجه.

والمراد بهذا العلم قيل علم التوراة فإنه كان أعلم بني إسرائيل بها، وقال أبو سليمان الداراني: علم التجارة ووجوه المكاسب، وقال ابن المسيب: علم الكيمياء، وكان موسى عليه السلام يعلم ذلك فأفاد يوشع بن نون ثلثه وكالب بن يوفنا ثلثه وقارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهباً، وقيل: علَّم الله تعالى موسى عليه السلام علم الكيمياء فعلمه موسى أخته فعلمته أخته قارون، وروي عن ابن عباس تخصيصه بعلم صنعة الذهب، وقيل: علم استخراج الكنوز والدفائن، وعن ابن زيد أن المراد بالعلم علم الله تعالى وأن المعنى أوتيته على علم من الله تعالى وتخصيص من لدنه سبحانه قصدني به، و { عِندِى } عليه بمعنى في ظني ورأيـي، وقيل: العلم بمعنى المعلوم مثله في قوله تعالى:وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ } [البقرة: 255] وإلى ذلك يشير ما روي عن مقاتل أنه قال أي على خير علمه الله تعالى عندي وتفسيره بعلم الكيمياء شائع فيما بين أهلها، وفي «مجمع البيان» حكايته عن الكلبـي أيضاً، وأنكره الزجاج وقال: إنه لا يصح لأن علم الكيمياء باطل لا حقيقة له، وتعقبه الطيبـي بأنه لعله كان من قبيل المعجز، وتعقب بأنه ليس بسديد وإلا لما تمكن قارون منه، وإنكار الكيمياء وهو - لفظ يوناني معناه الحيلة أو عبراني وأصله كيم يه بمعنى أنه من الله تعالى أو فارسي وأصله كي ميا بمعنى متى يجيء على سبيل الاستبعاد غلب على تحصيل النقدين / بطريق مخصوص - مما لم يختص بالزجاج بل أنكرها جماعة أجلة وقالوا بعدم إمكانها، وذهب آخرون إلى خلاف ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد