الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } أي وقت ندائنا موسىإِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [القصص: 30] واستنبائنا إياه وإرسالنا له إلى فرعون { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مّن رَّبِكَ } أي ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر وغيره لرحمة كائنة منالك وللناس. وقيل: أي علمناك رحمة ولعل الرحمة عليه مفعول ثان لعلم والمراد بها القرآن وليست مفعولاً له والمفعول الثاني ما ذكر من القصة لما ستعرفه قريباً إن شاء الله تعالى، وأما جعلها منصوبة على المصدرية لفعل محذوف فحاله غني عن البيان والالتفات إلى اسم الرب للإشعار بأن ذلك من آثار الربوبية وتشريفه عليه الصلاة والسلام بالإضافة وقد اكتفى هٰهنا عن ذكر المستدرك بذكر ما يوجبه من جهته تعالى كما اكتفى في الأول بذكر ما يوجبه من جهة الناس وصرح به فيما بينهما تنصيصاً على ما هو المقصود وإشعاراً بأنه المراد فيهما أيضاً ولله تعالى در شأن التنزيل.

وقوله سبحانه: { لِتُنذِرَ قَوْماً } متعلق بالفعل المعلل بالرحمة وهو يستدعي أن يكون الإرسال بالقرآن أو ما في معناه كتعليم القرآن دون تعليم ما ذكر من القصة إذ لا يظهر حسن تعليله بالإنذار، وجوز أن يتعلق بالمستدركات الثلاث على التنازع. وقرأ عيسى وأبو حيوة { رَحْمَةً } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير ولكن هو أو هذا أو هي أو هذه رحمة والضمير أو الإشارة قيل للإرسال المفهوم من الكلام والتذكير والتأنيث باعتبار المرجع والخبر والخلاف في الأولى مشهور، وجوز أبو حيان أن يكون التقدير ولكن أنت رحمة و(لتنذر) على هذه القراءة متعلق بما هو صفة لرحمة وقوله جل وعلا: { مَّا أَتَـٰهُم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ } صفة لقوماً و { مِنْ } الأولى مزيدة للتأكيد وقوله تعالى: { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي يتعظون بإنذارك تعليل للإنذار على القول بأن لعل للتعليل وأما على القول بأنها للترجي حقيقة أو مجازاً فقيل هو في موضع الصفة بتقدير القول أي لتنذر قوماً مقولاً فيهم لعلهم يتذكرون.

والمراد بهؤلاء القوم قيل العرب، وظاهر الآية أنهم لم يبعث إليهم رسول قبل نبينا صلى الله عليه وسلم أصلاً وليس بمراد للاتفاق على أن إسماعيل عليه السلام كان مرسلاً إليهم وكأنه لتطاول الأمد بين بعثته عليه السلام وبعثة نبينا عليه الصلاة والسلام إذ بينهما أكثر من ألفي سنة بكثير واندراس شرعه وعدم وقوف / الأكثرين في أغلب هذه المدة على حقيقته قيل: ذلك، وقيل: إن ذلك لما صرحوا به من أن حكم بعثة إسماعيل عليه السلام قد انقطع بموته وأنه لم يرسل إليهم بعده نبـي سوى النبـي صلى الله عليه وسلم قال العلامة ابن حجر في «المنح المكية»: من المقرر أن العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل عليه الصلاة والسلام وأن إسماعيل انتهت رسالته بموته وادعى قبيل هذا الاتفاق على أن إبراهيم عليه السلام ومن بعده أي سوى إسماعيل عليه السلام لم يرسلوا للعرب ورسالة إسماعيل إليهم انتهت بموته اهـ، فكأنه لقلة لبث إسماعيل عليه السلام فيهم وانقطاع حكم رسالته بعد وفاته فيما بينهم وبقائهم الأمد الطويل بغير رسول مبعوث فيهم نفى إتيان النذير إياهم من قبله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5