الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة وهو على ما قال أبو حيان أول كتاب فصلت فيه الأحكام { مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام والتعرض لبيان كون إيتائها بعد إهلاكهم للإشعار بأنها نزلت بعد مساس الحاجة إليها تمهيداً لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن إهلاك القرون الأولى من موجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم المستدعيين للتشريع الجديد بتقرير الأصول الباقية على ممر الدهور وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة للاعتبار، ومن غفل عن هذا قال: الأولى أن تفسر القرون الأولى بمن لم يؤمن بموسى عليه السلام ويقابلها الثانية وهي من آمن به عليه السلام، وقيل: المراد بها ما يعم من لم يؤمن بموسى من فرعون وجنوده والأمم المهلكة من قبل، وليس بذاك، و(ما) مصدرية أي آتيناه ذلك بعد إهلاكنا القرون الأولى { بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } أي أنواراً لقلوبهم تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عمياً عن الفهم والإدراك بالكلية فإن البصيرة نور القلب الذي به يستبصر كما أن البصر نور العين الذي به تبصر ويطلق على نفس العين ويجمع على أبصار والأول يجمع على بصائر، والمراد بالناس قيل أمّته عليه السلام، وقيل: ما يعمهم ومن بعدهم.

وكون التوراة بصائر لمن بعث إليه نبينا صلى الله عليه وسلم لتضمنها ما يرشدهم إلى حقية بعثته عليه الصلاة والسلام، أو يزيدهم علماً إلى علمهم. وتعقب بأنه يلزم على هذا الحض على مطالعة التوراة والعلم بما فيها، وقد صح أن عمر رضي الله تعالى عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوامع كتبها من التوراة ليقرأها ويزداد علماً إلى علمه فغضب صلى الله عليه وسلم حتى عرف في وجهه ثم قال: " لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي " فرمى بها عمر رضي الله تعالى عنه من يده وندم على ذلك. وأجيب بأن غضبه صلى الله عليه وسلم من ذلك لما أن التوراة التي بأيدي اليهود إذ ذاك كانت محرفة وفيها الزيادة والنقص وليست عين التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام وكان الناس حديثي عهد بكفر فلو فتح باب المراجعة إلى التوراة ومطالعتها في ذلك الزمان لأدى إلى فساد عظيم فالنهي عن قراءتها حيث الإسلام حديث والخروج عن الكفر جديد، لا يدل على أنها ليست في نفسها بصائر مشتملة على ما يرشد إلى حقية بعثته / صلى الله عليه وسلم ويزيد علماً بصحة ما جاء به.

السابقالتالي
2