الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } قاله اللعين بعدما جمع السحرة وتصدى للمعارضة، والظاهر أنه أراد حقيقة ما يدل عليه كلامه وهو نفي علمه بإله غيره دون وجوده فإن عدم العلم بالشيء لا يدل على عدمه، ولم يجزم بالعدم بأن يقول: ليس لكم إله غيري مع أن كلاً من هذا وما قاله كذب، لأن ظاهر قول موسى عليه السلام له لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر يقتضي أنه كان عالماً بأن إلههم غيره، وما تركه أوفق ظاهراً بما قصده من تبعيد قومه عن اتباع موسى عليه السلام اختياراً لدسيسة شيطانية وهو إظهار أنه منصف في الجملة ليتوصل بذلك إلى قبولهم ما يقوله لهم بعد في أمر الإله وتسليمهم إياه له اعتماداً على ما رأوا من إنصافه فكأنه قال ما علمت في الأزمنة الماضية لكم إلهاً غيري كما يقول موسى، والأمر محتمل وسأحقق لكم ذلك.

{ فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ } أي اصنع لي آجراً { فَٱجْعَل لّى } منه { صَرْحاً } أي بناءً مكشوفاً عالياً من صرح الشيء إذا ظهر { لَّعَلّى أَطَّلِعُ } أي أطلع وأصعد فأفتعل بمعنى الفعل المجرد كما في «البحر» وغيره. { إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } الذي يذكر أنه إلهه وإله العالمين، كأنه يوهم قومه أنه تعالى لو كان كما يقول موسى لكان جسماً في السماء كون الأجسام فيها يمكن الرقي إليه ثم قال: { وَإِنّى لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } فيما يذكر تأكيداً لما أراد وإعلاماً بأن ترجيه الصعود إلى إله موسى عليه السلام ليس لأنه جازم بأنه هناك.

والأمر بجعل الصرح وبنائه لا يدل على أنه بني، وقد اختلف في ذلك فقيل بناه وذكر من وصفه ما الله عز وجل أعلم به، وقيل لم يبن وعلى هذا يكون قوله ذلك وأمره للتلبيس على قومه وإيهامه إياهم أنه بصدد تحقيق الأمر، ويكون ما ذكر ذكراً لأحد طرق التحقيق فيتمكن من أن يقول بعده حققت الأمر بطريق آخر فعلمت أن ليس لكم إله غيري وأن موسى كاذب فيما يقول، وعلى الأول يحتمل أن يكون صعد الصرح وحده أو مع من يأمنه على سره وبقي ما بقي ثم نزل إليهم فقال لهم: صعدت إلى إله موسى وحققت أن ليس الأمر كما يقول وعلمت أن ليس لكم إله غيري. وأخرج ابن أبـي حاتم عن السدي قال: لما بنى له الصرح ارتقى فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي متلطخة دماً فقال قتلت إله موسى، وهذا إن صح من باب التهكم بالفعل ولا أظنه يصح.

السابقالتالي
2 3 4