الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ فَلَمَّا أَتَـٰهَا } أي النار التي آنسها. { نُودِىَ مِن شَاطِىء ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَنِ } أي أتاه النداء من الجانب الأيمن بالنسبة إلى موسى عليه السلام في مسيره فالأيمن صفة الشاطىء وهو ضد الأيسر، وجوز أن يكون الأيمن بمعنى المتصف باليمن والبركة ضد الأشأم، وعليه فيجوز كونه صفة للشاطىء أو الوادي، و { مِنْ } على ما اختاره جمع لابتداء الغاية متعلقة بما عندها، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالاً من ضمير موسى عليه السلام المستتر في { نودي } أي نودي قريباً من شاطىء الوادي، وجوز على الحالية أن تكون من بمعنى في كما في قوله تعالى:مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [الأحقاف: 4] أي نودي كائناً في شاطىء الوادي.

وقوله تعالى: { فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } في موضع الحال من الشاطىء أو صلة لنودي، والبقعة القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جنبها وتفتح باؤها كما في «القاموس»، وبذلك قرأ الأشهب العقيلي ومسلمة. ووصفت بالبركة لما خصت به من آيات الله عز وجل وأنواره. وقيل: لما حوت من الأرزاق والثمار الطيبة وليس بذاك، وقوله سبحانه: { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } بدل من قوله تعالى: { مِن شَاطِىء } أو الشجرة فيه بدل من { شاطىء } وأعيد الجار لأن البدل على تكرار العامل وهو بدل اشتمال فإن الشاطىء كان مشتملاً على الشجرة إذ كانت نابتة فيه، و { مِنْ } هنا لا تحتمل أن تكون بمعنى في كما سمعت في (من) الأولى، نعم جوز فيها أن تكون للتعليل كما في قوله تعالى:مّمَّا خَطِيئَـٰتِهِمْ أُغْرِقُواْ } [نوح: 25] متعلقة بالمباركة أي البقعة المباركة لأجل الشجرة، وقيل: يجوز تعلقها بالمباركة مع بقائها للابتداء على معنى أن ابتداء بركتها من الشجرة، وكانت هذه الشجرة على ما روي عن ابن عباس عناباً، وعلى ما روي عن ابن مسعود سمرة، وعلى ما روي عن ابن جريج والكلبـي ووهب عوسجة، وعلى ما روي عن قتادة ومقاتل عليقة وهو المذكور في التوراة اليوم.

و(أن) في قوله تعالى: { أَن يٰمُوسَىٰ } تحتمل أن تكون تفسيرية وأن تكون مخففة من الثقيلة والأصل بأنه، والجار متعلق بنودي، والنداء قد يوصل بحرف الجر أنشد أبو علي:
ناديت باسم ربيعة بن مكدم   أن المنوه باسمه الموثوق
والضمير للشأن وفسر الشأن بقوله تعالى: { إِنّى أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وقرأت فرقة { أني } بفتح الهمز، واستشكل بأن (أن) إن كانت تفسيرية ينبغي كسر إن وهو ظاهر وإن كانت مصدرية واسمها ضمير الشأن، فكذلك إذ على الفتح تسبك مع ما بعدها بمفرد وهو لا يكون خبراً عن ضمير الشأن وخرجت على أن (أن) تفسيرية و(أني) الخ في تأويل مصدر معمول لفعل محذوف، والتقدير أي يا موسى اعلم أني أنا الله الخ، وجاء في سورة [طه: 11-12]

السابقالتالي
2