الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ }

{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } وهي التي استدعته إلى أبيها وهي التي زوجها من موسى عليهما السلام { يٰأَبَتِ أسْتَئْجِرْهُ } أي لرعي الأغنام والقيام بأمرها، وأصل الاستئجار كما قال الراغب طلب الشيء بالأجرة ثم عبر به عن تناوله بها وهو المراد هنا. وكذا في قوله سبحانه: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلأَمِينُ } وهو تعليل جار مجرى الدليل على أنه عليه / السلام حقيق بالاستئجار المفهوم من طلب استئجاره، وبعضهم رتب من الآية قياساً من الشكل الأول هكذا هو قوي أمين وكل قوي أمين لائق بالاستئجار ينتج هو لائق بالاستئجار وهو المدعي المفهوم من الطلب، وتعقب بأن هذا ظاهر لوكان (خير) خبراً وليس هو كذلك، وأجيب بأن المعنى على ذلك إلا أنه جعل اسماً للاهتمام بأمر الخيرية لأنها أم الكمال المبني عليها غيرها. وفي «الكشاف» ((فإن قيل: كيف جعل { خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ } اسماً لإن و { ٱلْقَوِىُّ ٱلأَمِينُ } خبراً؟ قلت: هو مثل قوله:
ألا إن خير الناس حياً وهالكاً   أسير ثقيف عندهم في السلاسل
في أن العناية هي سبب التقديم وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق أن يكون خبراً اسماً)) وأراد بذلك على ما قيل: أحقية كون (خير) خبراً من حيث الصناعة، ووجه بأن خيراً مضاف إلى (من) وهي نكرة فكذا هو والإخبار عن النكرة بالمعرفة خلاف الظاهر، وإن جوزوه في اسمي التفضيل والاستفهام، ولو جعلت موصولة فإضافة أفعل التفضيل لفظية لا تفيد تعريفاً كما هو أحد قولين للنحاة فيها، وعلى القول بإفادتها التعريف يقال: المعرف باللام أعرف من الموصول وما أضيف إليه. وتعقب بأن تعريف { القوي الأمين } للجنس وما فيه تعريف الجنس قد ينزل منزلة النكرة. وأجيب بأن الموصول إذ أريد به الجنس كذلك وهنا تصح هذه الإرادة ليجيء التعدد الذي يقتضيه { خير } ، وحيث كان المضاف إلى شيء دونه يكون { القوي الأمين } أحق بالاسمية و { خير } أحق بالخبرية. وإذ قلت بأن أحقية الخبرية لأن سوق التعليل يقتضيها إلا أنه عدل إلى الاسمية للاهتمام خلصت من كثير من المناقشات.

وقال لي الشيخ خليل أفندي الآمدي يوم اجتمعت به وأنا شاب عند وروده إلى بغداد فجرى بحث في هذه الآية الكريمة: إن القياس المأخوذ منها من الشكل الثاني هكذا موسى القوي الأمين وخير من استأجرت القوي الأمين ينتج موسى خير من استأجرت. فقلت: أظهر ما يرد على هذا أن شرط إنتاج الشكل الثاني بحسب الكيفية اختلاف مقدمتيه بالإيجاب والسلب بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة وهو منتف فيما ذكرت فسكت وأعرض عن البحث حذراً من الفضيحة. وأنت تعلم أن أدلة القرآن لا يلزم فيها الترتيب الذي وضعه المنطقيون فذلك صناعة أغنى الله تعالى العرب عنها.

السابقالتالي
2