الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }

{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } أي وصل إليه وورد. الورود بمعنى الدخول وبمعنى الشرب وليس شيء منهما مراداً، والمراد بماء مدين بئر كانوا يسقون منها، فهو مجاز من إطلاق الحال وإرادة المحل { وَجَدَ عَلَيْهِ } أي فوق شفيره ومستقاه { أُمَّةً مّنَ ٱلنَّاسِ } أي جماعة كثيرة مختلفي الأصناف، ويشعر بالقيد الأول التنوين، وبالثاني من الناس لشموله للأصناف المختلفة وهي فائدة ذكره، وقيل فائدته تحقير أولئك الجماعة وأنهم لئام لا يعرفون بغير جنسهم أو محتاجون إلى بيان أنهم من البشر { يَسْقُوْنَ } الظاهر أنهم كانوا يسقون مواشي مختلفة الأنواع بمعنى أن منهم من كان يسقي إبلاً ومنهم من كان يسقي غنماً وهكذا، وتخصيص سقيهم بنوع يحتاج إلى توقيف { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } أي في مكان أسفل من مكانهم، وقيل من قربهم أو من سواهم أو مما يلي جهته إذا قدم عليهم وإلى هذا الأخير ذهب ابن عطية حيث قال: المعنى ووجد من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمة { ٱمْرَأَتَينِ } اسم إحداهما قيل ليا وقيل عبرا وقيل شرفا، واسم الأخرى قيل صفوريا وقيل صفوراء وقيل صفيراء، وفي «الكشاف» صفيراء اسم الصغرى واسم الكبرى صفراء { تَذُودَانِ } كانتا تمنعان غنمهما عن الماء خوفاً من السقاة الأقوياء قاله ابن عباس وغيره، وقيل تمنعان غنمهما عن التقدم إلى البئر لئلا تختلط بغيرها. وحكي ذلك عن الزجاج. وقال قتادة: تمنعان الناس عن غنمهما. وقال الفراء: تحبسان غنمهما عن أن تتفرق، وفي جميع هذه الأقوال تصريح بأن المذود كان غنماً، والظاهر أن ذلك عن توقيف،، وقيل تذودان عن وجوههما نظر الناظرين لتسترهما وهذا كما ترى.

{ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } أي ما مخطوبكما / ومطلوبكما مما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقي كغيركما؟ وأصل الخطب مصدر خطب بمعنى طلب ثم استعمل بمعنى المفعول. وفي سؤاله عليه السلام إياهما دليل على جواز مكالمة الأجنبية فيما يعني. وقرأ شمر { مَا خَطْبُكُمَا } بكسر الخاء، قال في «البحر»: أي من زوجكما؟ ولم لا يسقي هو؟. وهذه قراءة شاذة نادرة اهـ. ولا يخفى ما فيه وإباء الجواب عنه. وقال بعضهم: الخطب فيها بمعنى المخطوب والمطلوب كما في القراءة المتواترة، ونظيره الحب بكسر الحاء المهملة بمعنى المحبوب.

{ قَالَتَا لاَ نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرّعَاء }. أي عادتنا أن لا نسقي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعد ريها عن الماء عجزاً عن مساجلتهم لا أنا لا نسقي اليوم إلى تلك الغاية. وقرأ ابن مصرف { لاَ نَسْقِى } بضم النون من الإسقاء. وقرأ أبو جعفر وشيبة والحسن وقتادة والعربيان: ابن عامر، وأبو عمرو { يصدر } بفتح الياء وضم الدال أي حتى يصدر الرعاة بأغنامهم.

السابقالتالي
2 3